• 22 December, 2024 03:50

Karozota.com

Sweden

تفسير مثل الزرع الجيّد والزوّان

Bykarozota.com

Dec 27, 2020

مار نرسي – قيثارة الروح

هذه القصيدة الخامسة التي تنطلق من مثل الزرع الجيّد والزؤان (مت 13: 24- 30) تبدو في شكل مختلف عن القصائد الأربع السابقة. فهي لا ترد في شطرين، كما اعتدنا أن نقرأ عند نرساي، بل في بيت واحد يستقلّ مراراً عن سابقه أو لاحقه. بدأ الشاعر فأورد المثل الانجيلي (1- 17) بسرعة، ليؤكّد أن هناك زؤاناً تبدّل (ابراهيم، زكا، اللص، بولس) (18- 36)، وحنطة صارت زؤاناً (مرقيون، ماني، برديصان، بولس الشميشاطي، ولنطينس، أريوس، أبوليناريوس) (37- 110). فشيطان البدع والانقسامات حاضر وهو يعمل (111- 134)، وأول حيله إبعاد المؤمنين عن الكتب المقدّسة (135- 157) ودفعهم إلى شهوة الجسد والعين. ومع أن المسيح انتصر (158- 175)، إلاّ أن الزؤان ما زال يعمل في حياتنا (176- 199). ويقابل الشاعر بين اهتمام القدماء وإهمال اللاحقين (200- 242) ليصل في كلامه إلى البدع الحاضرة التي تعود إلى ممارسات يهوديَّة (234- 259). ويُطلق نداءه إلى الانبياء (ارميا، اشعيا) وإلى الرسل (ولا سيما بولس، بطرس) (260- 285)، كما يطلق نداء إلى التوبة والاصلاح (286- 309) لأن الدينونة جاءت (310- 323). وترد الخاتمة (324- 339) في كلمة رجاء بالمسيح الذي جدّد خلْقنا ولا يهمل طلبنا.
——————————————————————————————-
المثل الانجيليّ
سمّى المسيح كلام تعليمه “زرع جيّداً”،
ودعا تعليم الماكر “زؤاناً” نما معه.
مثّل العالم بحقل، ودعا نفسه “ربّ البيت”.
زرعُ تعليمه الجيّد قبلَته أرضُ نفسنا.
5. والذي زرع الزؤان هو عدوّ طبيعتنا.
زرعَ كلامَ تعليمه، فأفرخ الانقسامات والشقاقات.
قال: نام الناس، فأهملوا واجبهم،
مثْلَ الفلاح الذي يتراخى فيكثر الشوكُ في الحقل.
العبيد هم الأبرار الذين رأوا الزؤان وسط الحنطة،
10. فاقتربوا من معلّمهم وسألوه: “أما رميتَ (في الحقل) زرعاً جيداً”؟
فأجاب الربّ، عارفُ الخفايا، عبيده:
“عدوّ فعل هذا ليُفسد زرع تعليمي”.
فاشتعل العبيد غيرة وقالوا للربّ الصالح:
“نذهب وننتقي الزؤان، لئلاّ يُفسد نموّ الحنطة”.
15. فقال السيّدُ لعبيده، والعذبُ للغيارى:
“اتركوهم ينميان معاً حتّى النهاية،
لئلاّ تقتلعوا الحنطة مع الزؤان المرّ”.

أمثلة عن تبدّل الزؤان
هكذا عرّفنا إلى التبدّل الذي قد يتمّ إن عاد (الزؤان) عن الشرّ.
يا ربّ، لا يُفلت من معرفتك أن الزؤان لا يتبدّل
20. فالمرارة طبيعيّة فيه ولا تقدر أن توازي الطبيعة.
عاقل هو هذا الزرع، ومتسلّط على إرادته،
فيسهل عليه أن يتبدّل حسب إرادة حريّته.
فتقبّلوا البرهان هذا من الذين سبقوا:
فالزؤان الذي كان مراً تحوّل وصار حنطة.
25. كان ابراهيم زؤاناً، فتحوّل بارادته،
وصار ثمرة عذبة به صارت المرارة حلاوة.
كان زكا العشّار زؤاناً يجمع ما يسرقه من الآخرين،
فصار حنطة بإرادته، فتبدّل وزرع الصدقات.
زؤاناً كان اللصّ فتربّى في دم البشر،
30. وإذ رأى عجباً على الصليب مزج نفسه بين الحنطة.
وبولس العظيم نما كزؤان فأضرّ بالحنطة.
كان عدواً للحقّ، غيوراً، فعاد وصار من أجل الحقّ.
فلاّحاً زرع وأكثر التعليم في الأقطار الأربعة.
فلح أرض النفوس، وملأ العالم بثماره.
35. هؤلاء زؤان، تحوّلوا فصاروا حنطة مختارة،
لخزي الذين ضلّوا وما أرادوا العودة إلى المعرفة.

مرقيون، ما في، برديصان
كان مرقيون أول زؤانة نمتْ في حقل الحنطة،
فشرب مطرَ التعليم ولبث مع مرارة إرادته.
كان كلباً حانقاً مجنوناً، نبحَ على خالقه،
40. فكرز بثلاثة مبادئ: البار، الخير، الشرّ.
وكان ماني زؤانة أخرى التحق بلباس الحنطة.
ذئب كمنَ في القطيع، فأظهر نفسه كحمَل.
تنينٌ يمتصّ المرارة ويسقي منها القريبين منه.
نبتةٌ تقتل البشر لأنها تنبت في وسط الحنطة.
45. يشبه الطاووس الذي يتحوّل إلى كل شكل.
مشارك في الألاعيب ورفيق السحر.
قطع رجاء طبعنا ومنع من الجسد الحياة،
وابتدع في فكره أن القيامة فقط للنفس.
أوجز تعليمه في مبدأين،
50. ودعاهما الخير والشرّ حسب أعمال كل منهما.
وكان برديصان حنطة، فتحوّل وصار زؤاناً،
ولما رأت الكنيسة تحوّله، اقتلعته من وسط الحنطة.
كان من حملان القطيع ثمّ تبدّل فعضّ القطيع،
طرده الرعاة ورذلوه، فاختلط مع الذئاب.
55. رامي القوس الذي أراد أن ينتصر، مال فأصاب نفسه.
الدارس الذي عارض رفاقه، مال ورمى تعليمه.
توخّى أن يتحرّى كل شيء، فأدخل جواهر كثيرة.
وحين ظنّ أنه وجد، هلك وصار غريباً عن الحقّ.

بولس الشميشاطي
حنطة تبدّل نموُّها إلى زؤان، كانت بولس:
60. ذلّ بيد امرأة مثل شمشون الذي أدار رحى المطحنة.
دُعي هو أيضاً إلى الوليمة، فخرج وصار غريباً،
فقطع أمله من الحياة، وتكلّم بالشرّ على العليّ.
قال ان الابن ليس أقنوماً تجاه الآب،
بل مجرّد صوت كلمته: فهو لا يمتلك أقنوماً في طبعه.
65. وهكذا وضع له بداية، من ولادته في مريم،
وهو المساوي لوالده، وليس هو بعدَه حسب الجوهر.
فماذا يفعل الوقح حين يوبّخه يوحنا:
“في البدء كان الوحيد مع والده.
كان في العالم وبه العوالم أتقنت.
70. هو في ذاته أتى إلى خاصته، وخاصته لم تقبل كلمته.
والذين سمعوا تعليمه، جعلهم وارثي مجده،
فأشركهم في كرامته باسم عدم الميتوتة”.
ذاك هو البرهان الذي يتجلّى كالشمس أمام العارفين،
أما الناظرون في الظلمة فعثروا بكلمات الروح.

ولنطينس وأريوس
75. وكان ولنطينس زؤانة، لأنه أنكر قيامة الأجساد،
وحسِبَ كُتُبَ كلمات الروح غريبة.
أما جرمه الكبير فهو أنه افتخر بوضوح (فقال):
“تحوّل الكلمة وما أخذ جسماً من مريم”.
وأريوس الذي ظلم الحقّ، ربيَ في حقل حنطة،
80. واستتر باسكيم رهباني لئلاّ يكشف مرارته.
كان ذئباً لبس قناعاً واستتر في وسط القطيع،
وحين أحسّ به الرعاة طردوه من وسط القطيع.
فكشف أفكاره، فظهر زيفُ فكره،
وأخرج من قلبه الكذب وتلفّظت شفتاه بالاثم.
85. فدعا الابن خليقة الآب، والروح عمل الآب.
هو (= الآب) وحده موجود في ذاته، والابن والروح خادماه.
الآب لا بدء له، والابن والروح منه.
وبما أنه خلقهما، وُجد زمن بينه وبينهما.
وإذا كان الابن خليقة صنعها (الله)، حسب كلام هذا المجدّف،
90. ما الذي يمنع أن نسمّي كل شيء “ابن الله”؟
فجبرائيل وميخائيل خُلقا أيضاً بإرادة الآب،
ومع أنهما روحان، فهما أدنى من اسم الجوهر.
وإن تساوى مساواةً خلقُ الابن وخلقُهما،
فهذا يعني أنه يمتلك اسماً مستعاراً وبعيداً عن الواقع.

أبوليناريوس
95. زؤانة أخرى كان رفيقه الذي يصعب تركيب اسمه،
أما العارف فيتميّزه من ثمار يمتلكها كلامه.
احتقر هو أيضاً الديانة وحقيقة الايمان،
فأراد أن يدمِّر البنيان الذي أساساته لا تُقهر.
“لا، لم يأخذ مخلّصنا نفساً مع جسد،
100. ولكن الكلمة أخذ جسداً مائتاً وسكن فيه”.
ولما عرف أنه سيُكشف، عرض تجديفه بوضوح.
تصنّع وراء حجاب آخر فأخفى نفسه بعض الوقت،
فتبدّل واعترف: “أخذ ربّنا جسداً ونفساً”.
ترك فقط الفهم الذي هو الأقنوم الثالث.
105. ولماذا لم تبيّن لنا الكتب كل هذا؟
وفوق الجميع موسى الذي كتب عن خلقنا.
وقد يكون هذا المحتقَر أحكم من ابن عمرام،
فوجد ما هو أفضل: العقل هو الأقنوم الثالث.
ها هو زرعه الذي يقتل البشر، والذي يزرعه في نفس تلاميذه.
110. بلبل الأرض بزؤانه، ورمى الشقاق في السماء.

شيطان البدع والانقسامات
في البدء، زرع الشيطان الزؤان بين الحنطة،
وأقام الانقسامات والبلبلة كأسوار مقابل الحقّ.
وإذ رأى هزيمة مخيّمه وانتصار الحقّ على جنوده،
اصطنع حيلة أخرى، فدخل وكمَنَ بين الحنطة.
115. رأى أنه لا ينتصر في أرض مكشوفة، فشرع يحارب بالكمائن.
صار من أهل البيت، وكمن يعلّم الحقّ.
رأى أن الانجيل انتشر بين الشعوب والألسنة،
امتدّ في الأقطار الأربعة واقتلع هياكل الوثنيّة.
لبس اسكيم تلميذ لئلاّ يبيّن زيفه بشكل علنيّ،
120. إذ رأى أن تعليمه ممقوت فلا يُقبل علناً.
رأى أن الشريعة نور، تنير عيون النفوس،
تردّ المعاندين إلى التعقّل وترسم طريق الملكوت.
أخفى شناعة أفكاره في لباس جميل اسمه النور،
ودخل وتستّر في كمائن، فما شعر به البسطاء.
125. فرش ستاراً على النفس فعميَ نورُ المعرفة،
وحرم المعرفة من الحواس لئلاّ تفهم الواجب.
أظلم نور العينين عن قراءة الكتب المقدّسة،
وأغلق الآذان عن سماع كلمات الروح.
واللسان، نبع الكلام الذي لا ينقطع جريه،
130. جعله أخرس وأعرج لئلاّ يتكلّم عن الروحيّات.
من القلب، ملك الأعضاء، ونبع كل حكمة،
استلب الكنوزَ ورمى فيه الخرّوب.
يا لحيَله كما هي ماهرة، ويا لفخاخه كم هي عميقة!
يا لسمّ الموت القاتل الذي مُزج بالحلاوة!
135. (يقول): “لا خير في معاشرة الكتب الالهيّة:
من يقرأ لا يستفيد، بل يتعلّم الكبرياء.
قرأ كثيراً فجُنّ، فشرع يتحرّى ويتعمّق.
أكثرَ من التأمّل في الكتب، فضلّ وخرج من الواجب”.
يا لجرم لا يُوصف يكرز به الشرير بفم البلداء!
140. التعليم، نور النفس، جعلوه ظلمة،
والطريق التي رسمتها الكتبُ ملأها الجهّال بالعثار:
“لا تسمع التفسير، ولا تُصغ إلى كلمة تُدرس.
كن مثل أعمى أمام الكتب، ومثَل أصمّ أمام من يترجم.
أهرب من كلمات الحكماء لئلاّ يُضلّوك بأخبارهم.
145. هذا وحده يكفي: آمن ولا تبحث”!
يا أعداء الروح، أين تعلّمتم هذا،
لترسموا طريقاً جديدة وتضلّوا في سبيل مزيّف؟
عنّاهم الشيطان بضلال زرعه في آذانهم.
هم مهرة في الأحكام ويروون أحلاماً بليدة.
150. ولا يكتفي بأن يُضلّهم بالعثار وهم ساهرون،
بل يدلّهم على رؤى تجعل الناس يؤمنون بصدقهم.
يا عدوّ طبيعتنا، ما أعظم فنّك في الحروب!
شهد بولس على هذا حين عرف بمكايدك:
“ليس قتالنا مع لحم مثلنا،
155. بل مع رئيس الهواء، الروح الذي يحارب اللحم (والدم)”.
في بداية القتال، اصطنع كل الحيل،
وكل يوم يجدّد سلاحه، لأنه يقاتل العارفين.
أما الآن فلم تعد المكايد مفروضة على فنّه:
إن أشار فقط إشارة أتمّ الجهّالُ إرادته.
160. إن طلب أن يصطادنا بمرض حبّ المال،
تسبقه إرادتُنا فيُكتب الذهبُ على قلوبنا.
وإن أدخل محبّة المجد (الفارغ)، وهو سمّ نهنأ لرؤيته،
نرغب فيه أكثر منه، بل يتعلّم منّا.
إن حاربَنا بالرغبة، تتجذّر تحرّكاتُه في طبيعتنا.
165. يكفي أن ينصح نصيحة فيتجلّى العمل.
المبادئ الثلاثة في كل هوى، هي التي تحدّثنا عنها،
وحين يستعبدنا بها، يقوم هو كالمنتصر.
بهذه الأهواء قاتل رئيسَ طبعنا،
واتّكل أنه سينتصر بها كما في الزمان القديم.
170. عرف المتمرّدُ وتقبّل بالخبرة،
أن كل طبيعة المائتين تُؤسر بهذه الأهواء.
فلبسها كسلاح في القتال تجاه ربّنا،
وظنّ الوقح أنه يخدعه كما خدع آدم.
هنا، لا مكايده قامت، ولا حيل فخّه (صمدت).
175. فالذي تجاهه، تسلّح بسلاح الروح، (سلاح) خفيّ.
بعد هذا النصر الذي انتصر فيه طبعُنا مع ربّنا،
فأحسّ به العلى والعمق، وأُعلن في كل الأقطار،
ها نحن نهب ما معنا: دخل وسكن فينا كما شاء.
صار واحداً منا، وأهلُ البيت ليسوا غرباء عنه.
180. أرض نفسنا عملت له، وأذننا قُدّمت له.
رمى زرع تعليمه، فأتت بالثمار مئة ضعف تجاه واحد،
واقتلعْنا من عقلنا زرْعَ تعليم المسيح.
وتقبّلنا زرع الشرّير وهنئنا بالزؤان.
نحن بالاسم من الداخل، وبتصرّفاتنا من الخارج.
185. دُعينا فلاحي المسيح ففلَحنا للعدو،
هنئنا جداً بشراب رغبة الخطيئة الشرّيرة،
فغُرس في قلبنا جذرُ الفضّة، أصل الشرور.
حبّ المجد سمّ قاتل وفخّ يقتل بالكمائن،
قُيّدنا بمصائده وما أحسسنا بقيودنا.
190. الحسد سيف قاتل، يقتل النفس مع الجسد،
يسكن فينا كقائد جيش تعظّمه أفكارُنا.
الكبرياء التي تدبّر المقتنيات، المحبّ الذي يقتل أحبّاءه،
نلبسها مثل لباس ونتزّين بها في وجداننا.
والكذب الذي ولّده المتّهم (= الشيطان) في البدء،
195. صار لسانُنا رسولَه، وخدم له أعمالَه.
نسينا ترتيب تلمذتنا وخرجنا من الواجب.
كل انسان سيّد نفسه ويتدبّر حسب إرادته.
برز لنا كتبة متقلّبون، يعلّمون في كتب متقلّبة.
ابتعدوا عن الواجب الذي علّمتناه الكتب المقدّسة.

اهتمام القدماء لا إهمال اللاحقين
200. فالطريق التي رسمها القدماء، كانت متساوية بدون عوائق،
فملأها الهراطقة بصخور تساؤلاتهم.
واحداً كان الايمان الذي كرزوا به كلهم معاً،
فأنمى فيه الشيطان الانقسامات والشقاقات.
كلّهم شربوا تعليماً من نبع التعليم الوحيد،
205. ومثل قنوات سقوا أربعة أقطار الأرض بتعاليمهم.
كالنور كانوا في الخليقة فأناروا العالم ببهائهم،
وكالملح أعادوا المعاندين إلى الاقتناع بكلماتهم.
لبسوا سلاحاً تجاه الشرير لئلاّ يشقّ صفوف الحقيقة،
وأغلقوا كلمات طبيعتنا بعذاب احتملوه.
210. وحين بلغتْ نهايةُ حياتهم كمحاربين،
رقدوا رقاد الراحة على عمل خدمتهم.
فدخل الشيطان بكمائنه ورمى تعليمه،
وأفسد الرعيّة كلها بمرارة زؤانه.
رأى الصيّادين ناموا، فشرع يدمّر بشكل فاضح،
215. فضرب الكثيرين بالانقسامات والشقاقات.
جسمُ الكنيسة الواحد النقيّ،
مزّقه أجزاءً بمختلف تعاليمه.
الحقل الذي فلحه الناشطون بآلام ضيقاتهم،
بذر فيه الزؤان فملأه، وأنبت فيه الأشواك البغيضة.
220. الخراف الضالّة التي جمعها ربّ الرعاة،
دخلت الذئاب بينها بشبه حملان، ومزّقت أجسام القطيع.
نبع الشريعة الحلو الذي سقى أرض النفس،
حوّل كلماته لئلاّ يقبله الهراطقة.
فمن لا يبكي على هذا؟ زيّن هياكل الروح القدس،
225. فصارت مسكنا لروح النجاسة، ووهبوا مسمعهم للماكر.
المسبيون، الذين بالصليب عادوا من سبي الثلاّب،
تبدّلوا واستُعبدوا للماكر بارادتهم، لا اكراهاً.
مدعوّون دعتهم النعمة إلى وليمة الختن السماويّ،
خرجوا وصاروا غرباء وما تنعّموا بالأعراس.
230. من لا يحزن لهذا؟ تركنا رجاء حياتنا،
وحوّلنا جوهر الآتيات إلى الأشياء الأرضيّة.
من يقدر أن يقوّم الرذائل التي في أيامنا؟
فالشرور تأسّست فينا في نهاية عادة طويلة.
صار مرضُنا أقسى من الدواء فهرب منه الأطبّاء.
235. العاقل لا يقدر أن يقدّم الشفاء لأمراض نفوسنا.
لبس المعلّمون الكبرياء، والتلاميذ قسّوا رقابهم،
فصار النير المريح والعذب قاسياً لمن يحمله.

البدع الحاضرة
نبعتْ في أيامنا بدعٌ من ملافنة بلهاء،
فوضعوا لنا شريعة نحفظها ساعات وأياماً.
240. تركوا طريقاً رسمه الأبرار وساروا فيه كما العقلاء،
فخرجوا وساروا في سبل الضلال التي علّمها الأشرار.
حصروا الشريعة كلها في حفظ الأيام،
وجدّدوا العالم اليهوديّ فسلّمونا شرائع جديدة.
رذلوا كتب الروح وفائدة أقوالها،
245. ووضعوا شرائع غريبة من ترّهات عقولهم.
تركوا الحديث عن المحبّة وعن الرجاء والايمان،
واعتنوا كل ساعة في حديث عن الأحلام الفارغة والغبيّة.
وإن أنّبهم عارفٌ، ورفض ترهّات أقوالهم،
يسنّون سيوف ألسنتهم ويقتلونه كلُّهم بحسدهم.
250. (يقولون): “هذا يتحرّى تحرّياً فينفصل عن الاله،
فيعلّم تعليماً جديداً ولا يؤمن أن الأحلام حقيقة”.
من يعلّم الأمور الجديدة أيها العميان عن المعرفة؟
من يتكلّم عن الكتاب (المقدس) أو من يروي الترهّات؟
جعلوا نور المعرفة ظلاماً، ورفضوا المجيء إلى العقل.
255. يُحتقر المتكبّرُ إن هو تواضع وجاء إلى الحقّ.
وهكذا تتمّ إرادة الشيطان من كل جانب.
أنبت الشقاق لدى الذين في الخارج والخلاف لدى الذين في الداخل.
لم يَنُح العاقل على الشنائع التي في أيامنا:
خنق الشريرُ بزؤانه زرعَ المسيح الطيِّب.

نداء إلى الأنبياء والرسل
260. فمن يوقظ إرميا ليقوم ويبكي في مراثيه؟
هو عرف أن يتحدّث عن شرور الخطايا.
رُذل الذهب الصالح، وقُبل المزيّف في وضح النهار.
الموقّرون محتقرون ومعيّرون، ووقار الجاهل ينتصر.
تعال وانظر، أيها البار، ابن آموص، شرّ الشعوب وشرّ الشعب.
265. دعوا الشرّ خيراً والخير شراً،
ومزجوا الحلو مع المرّ، والباطل مع الحقّ.
فالكبرياء تخزي الترتيب لئلا نبحث عن الواجب.
قُمْ، يا فلاّح النفوس، بولس العظيم والمجيد،
وانظر حقل تعليمك الذي ملأه الشرير بالأشواك.
270. يا مهندساً بنى الكنائس وكمّل في الأقطار الأربعة،
تعال وانظر علوّ بنيانك الذي هدمه الجهّال.
يا ملاّحاً سار في المياه وحفظ سفينته من الأمواج،
قم وانظر سفينة الكنيسة التي تسحقها عواصفُ الضلال.
يا سمعان، رئيس الرسل، صيّاد السمك والبشر،
275. تعال وانظر شبكة تعليمك التي مزّقها الشرير بالانشقاقات.
اصطدتَ ألفاً، كل يوم، بقوّة الرسالة،
والثلاّب، بحسده، بدّد الألوف الكثيرة.
أيها الرسل، أنتم اثنتا عشرة منارة أنرتم العالم ببهائكم،
قوموا واطردوا من بيننا، نحن البشر، غيمةً فرشها الشرير.
280. يا مرسلين أرسلَهم الملك من أجل السلام في الكون كله،
تعالوا وهدّئوا الشقاقات التي رماها الثلاّب في الكنائس.
يا فلاّحي أرض الأمم، الذين اقتلعوا أشواكَ الوثنيّة،
قوموا ونقّوا حقل الكنيسة من زؤان الماكر.
يا ملحاً ملّح التافهين فاقتنوا به الطعم الحلو،
285. لتملَّح بكلماتهم أفكارٌ أفسدها الشرير.

نداء إلى التوبة والاصلاح
تعالوا، يا اخوتي، فنعود إلى الطريق التي رسمها الحقّ (= المسيح) بالرسل،
ولا نضلّ في السبيل المزيّف، فالعثارات كثيرة.
تعالوا نقترب من الاقناع الذي تقدّمه أقوالُ الكتب المقدسة،
ونداوي نجاسات شخصنا بأقوال كتبها الروح القدس،
290. لنأخذ من جذر تعابيرها دواء لشفائنا،
لأنهم يعرفون آلام طبعنا ويستطيعون أن يشفوا جراحاتنا.
لنكشف مرض طبيعتنا لأطبّاء حكماء،
ولا نستح حين نعترف بنجاسات خطايانا البغيضة.
لنقترب ونطلب الرحمة من بحر المراحم العظيم،
295. الذي أفاض كنز مواهبه على الأشرار والظالمين.
لنذرف دموع عيوننا علي نجاسات خطايانا،
ولننقِ أدناسنا من فخاخ أضلّتنا.
لنطرد الكبرياء منا، ونقتلع منّا الحسد،
ولنغرس الحبّ في وجداننا مع الرجاء والايمان.
300. لنقتلع منّا الزؤان الذي أنبته الشرّيرُ بحسده،
ولنتقبّل الزرع الطيّب الذي زرعته فينا كلمةُ الحياة.
لنفلح أرض نفوسنا ونقتلع أشواك خطايانا،
ونهيّئ آذاننا لتعليم الروح الحيّ.
ها هو الدواء (الذي تقدمه) الكتب، فتعالوا واقتربوا منه،
305. فنشفي آلام جراحنا بدموع التوبة.
ها هم الرسل، الأطبّاء الذين يعتنون بمرض بشريّتنا،
لنبيّن لهم أمراض نفوسنا فيُعينوا حالتنا المرضيّة.
ها هو ربنا، بحر المراحم، لنقترب منه ونسأل عونه.
تلك هي علامة مجيئه: عودة الخطأة إليه.

جاءت الدينونة
310. بماذا نرضي البرّ لئلاّ يتّهمنا في الدينونة؟
ليس هناك موضع للدموع، ولا للتوبة والتوسّل.
اقترب زمنُ مجيء الختن الذي دعانا إلى أعراسه،
لنُعدّ ثياب الوليمة لئلاّ نكون أضحوكة هناك.
ها هو زمن المتاجرة بالوزنات التي وهبنا مخلّصنا،
315. فلا نُخفِ فضّة كلمته لئلاّ يدعونا “العبدَ الرديء”.
لنضع زيتا في سراجنا لئلاّ ينقصنا هناك،
فندخل معه إلى الأعراس برفقة (العذارى) الخمس.
يا من تغرق في الخطايا، إنهض من نعاس مرضك:
اقترب الصباحُ العظيم الذي فيه يوبَّخ الكسالى.
320. يا فعَلَة استأجرتكم النعمةُ في نهاية يوم من العمل،
انتظروا أجراً يُعطيه لكي تتساووا مع الأوّلين.
فُتح باب الحنان، فلندعُ الرحمة لعوننا،
فتساعدنا في الجهاد في مقاتلة الثلاّب.

خاتمة
مَثلُ زرع الزؤان دفعني لأقول الحقيقة،
325. لأني رأيت نبات التعليم يزرع كلمةَ الماكر.
وحين أردتُ أن أزجر مرارة زؤانه،
قويَ مرضُ الذين في الداخل أكثر من إثم الذين في الخارج.
فالذين في الخارج قسموا القطيع، وخرجوا وصاروا غرباء،
والذين في الداخل تبعوهم وضلّوا، وظنّوا أنهم في الداخل.
330. تركوا طريق الكتب التي وُضع فيها معلنو السلام،
وخرجوا يتيهون في سبل مليئة بالخوف من اللصوص.
جُرحت أجسامهم وتهشّمت وما أحسّوا حين ضُربوا:
فالماكر طغاهم بمداعبة ممالقته الطامعة.
غيرةُ هؤلاء أيقظتني لأروي شرّ آلامنا.
335. فهو من يحرّك اللوم للنائمين الذين غرقوا في الخطيئة.
أردتُ، بالتوبيخ، أن أخفّف من قوّة الحمّى عندنا،
لأن المرض الذي عتق، يشفيه، عادة، دواءٌ قويّ.
المسيح الذي جدّد خلقنا لا يهمل طلبتنا.
دَعيْتنا، بالرحمة، وارثين، فلا تحسبنا مع الغرباء.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *