اللازمة
شكراً للختن الذي عظّم أحبّاءه،
وإلى جنان ملكوته أدخلهم.
قارئ يتعلم
ما أحسنَ التأمّل في كلام الروح كما وُضع في الكتب،
وما أطيبَ عبارةً نتأمّلها في الكتب المقدّسة!
ما أجمل تعليم الكرازة عن ملكوت العلاء،
حبّه يوزّع الطيّبات الطيّبة لمن يحبّه!
5 في حروف كلماته تَخفّى كنزٌ عظيم،
وقارئ يقرأ بحبّ محبّب يغتني على الدوام.
تشبه سطورُ الكتاب شعاعات النور،
وقارئ ينظر بلا تردّد، يرى جميعَ الأشياء.
خبرُه يُسرع كالهادي أمام الفكر،
10 وقارئ يحبّ رفقة حبّه يبلغ إلى السماء.
بحبّ يدعو الانسان ليقترب منه،
ومن اقترب بحبّ امتلأ من حبّه.
مثل معلّم يدفع الناس إلى التعليم،
فمن قبل تلمذتَه صار له الكتابُ معلّماً.
15 رأيتُ تعليم المعلّم الماهر، كم مهر في العلم،
فنصحني فكري أن أكون تلميذه إن رضي بي.
فارضَ، يا معلّماً يحكّم البشر بتعليمه،
واستعمِل لساني فيكون تلميذاً يهجّي كلماتك.
كلمتي تشتهي التلمذة لعبارة كلماتك،
20 فاكتب لي حروف الأبجديّة لكي أهجّيها.
رأيتُ الأسطر المستقيمة رُسمتْ في كتاباتك،
فاشتهيتُ جداً أن أسير في طريق فهْمها.
فاملأ رغبتي، أيها الصالح المملوء بكل صلاح،
وهب حاجتي قوّة الفهم التي في استعاراتك.
المثل كما في الانجيل
25 بين استعارات رسمتَها أنت، سلكتُ أنا،
فنصحنَي فكري أن أطلب قوّة الوعظ التي فيها.
“يُشبه ملكوت السماء عشر عذارى،
انتظرن بالمصابيح لقاء الختن (السماوي).
خمس منهنّ حكيمات في مخافة الحقيقة،
30 وخمس جاهلات في ما ينبغي للكمال.
أخذت الحكيمات زيتاً مع المصابيح،
وما تنبّهت الجاهلاتُ فما أخذن زيتاً.
مرّ الوقتُ وتأخّر الختن عن المجيء،
وتغلّب النعاسُ فنامت (العذارى) العشر”.
35 وقال: “في نصف الليل، زعق صوتُ البوق،
فبشّر بمجيء الختن السماوي.
فقامت الحكيمات وهيّأن المصابيح،
ليستقبلن بالنور عريساً يحلّ في النور”.
في الحال قامت معاً، الجاهلات والحكيمات،
40 كنّ متساويات، ولكن ما تساوينَ في التساوي الواحد.
نقص الزيت في مصابيح الجاهلات،
فشرعن يسألن رفيقاتهنّ احساناً ونعمة.
فأجابت المستعدّات: “لا يكفينا ويكفيكنّ.
فاذهبن إلى من يبيعكنّ، إن أمكن البيع”.
45 “سمعن ومضين يشترين زيتاً لا يُشترى،
فأتى العريس ودخلت المستعدات، وهنّ (= الجاهلات) ما دخلن”.
خارج الباب لبثن، بعد أن أغفلن الواجب،
وشرعن يقرعن ويتّكلن على سلوكهنّ:
“افتح لنا، ربّنا، باب العذوبة في ملكوتك،
50 فندخل لنأخذ أجر أعمالنا في البتوليّة”.
فأجاب صوت الختن: “لا أعرفكنّ،
وما اقتنعتُ يوماً ببتوليّة حفظتنّ لي”.
بحث عن المعنى
فالآن، بعد أن انتهى الفمُ الحيّ من الكلام،
لنقترب ونطلب طلباً ما خفيَ في أقواله.
55 طلبٌ مليء بالاستعارة خفيَ في وجه نساء:
كيف أهمل طغمات الرجال، ومال إلى الإناث؟
وإن نظرت كلمتُه إلى الطبيعة، لأنها واحدة،
لماذا لم يتساوين كلّهنّ مع أنهنّ تساوين على مستوى البتوليّة.
لماذا جعلهنّ متساويات بالاسم “البتوليّ”،
60 وبالفعل فصلهنّ إلى جهتين.
فمع أنهنّ نقيّات من دنس الفجور،
لماذا منعهنّ من التحديق في عظمة حبّه.
لماذا تغلّب النعاس عليهنّ كلهنّ، فتوقّفن عن العمل،
فتصرّفن تصرّفاً واحداً حين استيقظن؟
65 مع أن الجميع أخذن مصابيحَهنّ،
فلماذا لم يبق زيتٌ إلا للحكيمات؟
وإن تساوين في التعب فعشن البتوليّة،
فلماذا اختلفت الحكيمات عن الجاهلات؟
وإن كنّ واحداً كما كنّ، نفساً وجسداً،
70 فلماذا لم تنعم الواحدة على رفيقتها وتتصدّق عليها؟
لماذا أَرسلت الحكيماتُ الجاهلات
ليشترين زيتاً، وهن عارفات أنه لا يُشرى؟
وإن كان حقاً يُشرى هذا الزيتُ بمال،
فلماذا لم يبعن (= الحكيمات) الزيتَ ويأخذن الثمن؟
75 وإن كانت هؤلاء الغنيّات رفضن أن يبعنَ،
فمن يأخذ زاد حياته ويعطيه لآخر؟
وإن كانت المحتاجات مضين ليشترين الزيت،
فلماذا لم ينتظر الختنُ بحيث يدخلن معاً؟
لماذا أجابهنّ: “لا أعرفُ أعمالكنّ”،
80 مع أنه عرف أنهنّ حفظن نفوسهنّ من النجاسة؟
وإن لم يعملن حسب مشيئة شاءها هو،
لماذا لم يقل لهنّ: “اذهبن إلى النار والظلمة”.
تبدّل صوتُه الذي سمعْنَه، وهذا ما سحقني جداً:
لماذا لم يتساوَ في العقاب كل من نال العقاب؟
85 ذُهلت أفكاري من حكم لا مساواة فيه:
لماذا لم يسقطن في هوّة النار مع الغنيّ؟
وإن لبثن على الأرض مع الأشرار في ثقل (النعاس)
فكيف يمكن أن لا يتعذّبن في عذاباتهنّ؟
وإن لم يدخلن إلى الموضع الذي رجون، ولم يفرحن،
90 فماذا استفدن من الثبات في البتوليّة؟
لماذا سحقنَ الجسد والنفس في الجهاد والأعمال،
وفي يوم الدين، نِلْن العقابَ بدل الاكليل.
لماذا حاربن تحرّكات الميل الشرير فيهنّ،
ولما انتصرن سقطن مع الأشرار في العقاب.
95 امتلأت نهاية أعمالهنّ بعذاب قاسٍ:
كيف بدأن الأعمال الصالحة وما كمّلن؟
البشر والملكوت
إذن، نبدأ فنبحث بحثاً في أعمالهنّ (ومتاعبهنّ)،
كما يليق بهدف الخبر الذي رُوِيَ لنا.
نبحث كيف كُتب؟ الملكوتُ يشبههنّ،
100 مع أنهنّ لا يقدرن أن يُشبهن شبهه.
لماذا لم يقل فيهن: يُشبهن هذا (الملكوت) المجيد؟
فهو أقدم في المجد من كل ما خُلق.
“ملكوت السماء يشبه المجيدات”.
يا للدهشة الكبرى! أيُشبَّه بما هو أحقر منه؟
105 حسناً شبّهه، ذاك الذي بمجده يُشبه ممجّديه:
هو يقدر أن يكون شبيهاً بهم، وهم لا يقدرون أن يكونوا شبهه.
لا يقدر الأرضيون أن يُشبهوا ملكوت السماء،
أما هو، فيشبههم حين يدعوهم إلى عذوبته.
بهذه العلامة شابهنَا، نحن الأرضيين،
110 لكي نقتني بشبهه شبهَ مجده.
الشبه الذي شبهه (رسمه) معلّمُ الحقّ كثير الشبه،
فلا يقدر فنّان أن يُصوّر شبْهَه بدقة.
دقيقةٌ صورته التي ركّب علامتها وعرضها في بشارته،
فيليق بنا أن ننظر بدقّة إلى بهاء جماله.
115 تعالوا، أيها الناظرون، لتروا بدقّة كلام ربّنا:
صوّر البشر والملكوت في أيقونة أعماله.
صوّر محبُّ البشر في انجيله أعمالَ البشر،
وعرضها مشهدا أمام المشاهدين.
البتوليّة والعفّة
دعا انجيلُه: “يشبه ملكوت السماء نساء”،
120 لأن ملكوت السماء بشَّر البشر.
بما أنه اقترب علّم البشر أن يطلبوا البُعد،
وإذ يتجلّى لهم، يرون جمال الخفيّات.
عنه قيل أنه يشبه العذارى،
إذ يبيّن مسيرة حياة بلا زواج.
125 دعا جماعةَ خدّامه باسم البتولات،
لكي نسلك بالعفّة في الزواج.
صوّر أيقونة حبّه وشكله في وجه نساء،
لأننا نجد عند النساء شكل العفّة.
في حظيرة كلمة فمه حبس الرجال والنساء،
130 ليعلّم الجانبين أنهم يقدرون أن يحيوا في النقاوة.
لو صوّر أيقونة شكله في وجه رجال،
لظُنّ ربّما أنه يرذل جوق النساء.
بحكمة صوّر النساء في شكل كلمته،
لئلاّ تنقسم الطبيعةُ الواحدة أجزاء.
135 صوّر الطبيعة كلها، فبيّن لنا في طبيعتنا
أنه يسهل علينا أن ننظر حسناً إلى كل ما نملك.
كشف بالاستعارات مزايانا ورذائلنا،
وصوّر فبيّن لنا الطيّبات والضيقات التي تنتظرنا.
قسمَ مسيرةَ حياتنا وسعْينا قسمين،
140 وجعل للواحد اسم “حكيم” وللآخر (اسم) “جاهل”.
كمال الحبّ
قابل مع الحكيمات سعيَ الكمال،
وماثل مع الجاهلات أعمالاً ينقصها الحبّ.
دعا الأعمالَ المصابيحَ التي هُيّئت،
فساوى اللواتي عملن واللواتي ما عملن.
145 ما تساوت الأعمال فغاب الزيت،
فلو تساوين، لما غاب ما هو متساوٍ.
بالزيت الذي غاب، صوَّر لنا وبيّن نقص الأعمال:
كانت ضعيفة وما سمنت بالحبّ والرحمة.
كنّى المسيح الحنّان الرحمةَ باسم الزيت،
150 وكما تحنّن هو، نتحنّن نحن على رفاقنا.
شبّه بالزيت ذاك الذي تحنّن على رفاقه،
فعلى مثال الزيت يهدئ أفكارَنا وحواسَنا.
بدون الزيت صوّر صورة الوقحات،
لأنهنّ ما خفّفن بأقوالهنّ قرح الاثم.
155 بالزيت أصلح سلوك الحكيمات وحياتهنّ،
فحنّ ورحم، ودهن الجسد والنفس معاً.
بزيت الرحمة دُهنت سيرتهنّ،
لهذا قوين (ثبتن) ولم ينل منهنّ طولُ الأيام.
اعتاد المصوّرون أن يصنعوا هذا،
160 فيحفظوا، بالزيت، اللوحة من الفساد.
يمزجون الزيت مع الألوان ويرسمون الصور،
فتبقى الصورة، بالزيت، ثابتة ولا تتشوّه.
وإن عرف الرسّامون أن يحفظوا صورة متسعارة،
فكم يليق بالبشر أن يحفظوا سمات صورتهم.
يوم مجيء الختن
165 رسم مخلّصنا اللااهتمام في صورتهنّ،
باسم الجاهلات اللواتي ما أخذن زيتاً في سلوكهنّ.
امتدح وعظّم الاهتمام الذي يريد الصلاح،
في الحكيمات اللواتي مزجن الزيت بأعمالهنّ.
ضمّ في العدد عشرة كل الأقوال،
170 ليُقبَل، وهو المرغوب جداً، في يوم تجلّيه.
دعى مجيء الختن الآتي يوم تجلّيه،
فخرجتْ إلى لقائه كل العذارى الكاملات.
والنعاس الذي قال فيه: كلّهن نعسن معاً،
هو الموت الذي يتساوى فيه الأبرار والأشرار في فساد واحد.
175 والصراخ الذي كان في نصف الليل فأيقظ النائمات،
كان صوتاً آمراً في النهاية يبعث الجميع.
قال: في نصف الليل جاء العريس الذي خطبَنا،
ففي قلب الليل يأخذ العرسان عرائسهم.
اذ (قال) قامت معاً تلك اللواتي كُتبت أعمالهنّ،
180 بيّن لكلّ البشر قيامة كل البشر، التي فيها يقوم جميع البشر.
أنّب القساوة بمصابيح خمسة انطفأت:
إن لم يتحنّنوا لن ينالوا الحنان بالحبّ والرحمة.
ما أرادت الحكيمات أن يبعن الجاهلات،
فانكشف لنا كشفاً أننا لا نقدر هناك أن نسأل رحمة.
185 إذ أجبن وقلن: “ربّما لا يكفينا ويكفيكن”،
تبيّن أن العمل على هذه الأرض أصغر من الجزاء.
إذ ارسلتهنّ يشترين زيتاً حيث يجدن الزيت،
توضّح أن هناك موضعاً للرحمة لو هنّ مارسن الرحمة.
إذ عدنَ من حيث مضين، أتى الختن:
190 فنحن نجهل متى يأتي الختن، ولا نعرف.
دخلت الجاهلات مع الختن وأغلق الباب:
هم الأبرار يدخلون ويستريحون في ميناء السماء.
ظلت الجاهلات خارج باب الملكوت:
هم الأشرار يلبثون على الأرض ويتعذّبون.
195 كُتب أن الجاهلات نادين: “ربنا، ربنا”:
هو الأمل بأن الرحمة قد تتحنّن على الخاطئين.
لم تكن أعمالهنّ مميّزة، فحسبنَ
أن ذاك (الاله) العذب لا يحتقر مسيرتهنّ.
هنّ نادين، وهو أجاب: “لا أعرفكنّ”،
200 فلم يتعرّف إلى الحبّ الذي لا يمتزج بحبّ القريب.
قال للجاهلات: “لا أعرفكنّ،
ما عرفتنّ تتميم مشيئتي بالرأفة”.
فالباب الذي أُغلق في وجه اللواتي في الخارج فما دخلن معه،
هو الجلَد العُلويّ الذي أغلقته الاشارة حين دخل الأبرار.
الأبرار والأشرار
205 الإشارة كانت للأبرار والأشرار كوراً يختبرهم،
فميّز الصالحين من الأثمة بغليان حبّه.
تمييزٌ عظيم تمّ هناك بين هؤلاء وأولئك،
فكانت المسافة بين العلى والعمق بلا قياس.
فارتفاعُ الأبرار أرفع وأعلى من كل ارتفاع،
210 وهوة الأشرار أعمق جداً من كل الأعماق.
مرأى مُحبّي الحبّ أجملُ من كل جمال،
ولون الخادعين أشنع من كل شناعة.
لا شيء يماثل هذا المجد، مجدَ أبناء النور،
وشناعة أبناء الظلمة ما من شيء يُشبهها.
215 فالأنوار والظلمات تبيّن لكل انسان،
أية أعمال أتعبَ نفسَه فيها خلال حياته على هذه الأرض.
رؤيةُ الجسم تشهد على العقل،
وتُخجله بما فعل من أفعال كاذبة.
فمن الجسم ينبع المجدُ والعار،
220 وهو من يوزّع الخيرات ويوم العذابات.
هو الانسان يعذّب نفسه بما به خطئ،
وكالديّان يوبّخه وجدانُه على شناعاته.
خبرة الآخرة
يرى كلُّ انسان ذنوبه الخاصّة وذنوب رفاقه،
فلا يُخفى أحد عن نفسه ولا عن أصدقائه.
225 يشاهد كلّ انسان الطبيعة العاقلة كلها،
وكل واحد يشاهده كما يشاهد هو نفسه.
كل واحد يتأمّل بدقّة في انسان من الناس،
وهذا الانسان يمدّ وجدانه تجاه كل الذين رأوه.
ليس بين المخلوقات، هناك، من يقدر أن يختبئ عن بني جنسه،
230 ولا يمكن أن يختبئ منه الرفيق والصديق.
نظرُه يجول بسرعة في الأقطار الأربعة،
فيُحيط بها داخل الرؤية التي في الجسم.
ما أعجب ما نال الانسان من عند خالقه:
حصرَ العلى والعمقَ في كيانه المحدود.
235 وإذ يُحصر كله، جسداً ونفساً، في موضع واحد،
يبتعد عن كل شيء، ويكون كل شيء قريباً وكأنه له قريب.
يكون في كل مكان، مع أنه في مكان واحد،
فيا للعجب! يكون لدى الكل ولا يكون لدى الكلّ.
بدرجة من الكرامة صارت له، يشبه اللاهوتَ
240 الذي هو في كل مكان، ولا يُدرَك كيانُه.
في الأعمال تحقّقت فيه هذه الكلمة:
الانسان صورة خالقه، ويشبهه شبهاً كبيراً.
يشبهه بهذا: يكون في كل مكان ولا يكون،
ويتحرّى الخفايا بعقله وبعقل الجميع.
عظمة الانسان وحقارته
245 كالخالق يختبر الاثمَ المخفيّ في النفس،
وفي اختباره يميّز البغيض من الجميل.
من يقدر أن يخبر بالكلام، عظمة درجته؟
فابن التراب تمتدّ إشارته على الجميع وفي الجميع.
من يعرف أن يصوّر عظمته مع وضاعته؟
250 إذ بعضهم يسود الجميع، وبعضهم يزدريه الجميع.
من لا يدهش من التمييز الذي له؟
بعضهم في العلى، وبعضه في العمق، في المجد والهوان.
من لا يفرح ومن لا يحزن من هاتين الوجهتين،
فيتأمّل في سعادة الأبرار وعذابات الأشرار؟
255 من لا يقول إن الانسان عظيم والانسان حقير،
حين ينظر إلى ملكوت السماء، وإلى جهنّم؟
رأيتُ مجدَه وانحطاطه مصوّرين في صفحة من الكتاب المقدّس:
فرحتُ في ارتفاعه، وبكيتُ من انحداره.
في شبهين صوّرت الاشارةُ أيقونةَ صورته،
260 وعلّمته أن يتأمّل في أمجاده وشناعاته.
بالاستعارة كشف له التمييز الذي يكون في آخر الأيام،
لكي يفكّر بالعمل الحسن قبل ذلك اليوم.
بالعذارى علّمه سعي البرارة،
ليفلح نقاوة نفسه ولا يستخفّ.
265 بالاستعارة رسم له طريق الأعمال الروحيّة،
ليسير حسناً إلى لقاء الحياة التي لا تنتهي.
بالحكيمات شجّعه أن يرجو ملكوت السماء،
وبالجاهلات أخافه حين أخبره عن الدينونة القاسية.
ببتوليتهنّ علّمه أنه يقدر أن يحيا في النقاوة،
270 وبيّن له، بأعمالهنّ، حريّة نفس يقتنيها.
إذ أخذن زيتاً، بيّن أنه يميل إلى الرحمة،
وإذ لم يأخذن، كشف أن قساوته ليست إكراهاً.
الرحمة أعظم من الأعمال
كشفَ حرّيته بالمصابيح التي اشتعلت وانطفأت،
فلو شاء لاستطاع أن يُشعل المصابيحَ العشرة.
275 هذه المشيئة التي أشعلت الخمسة بزيت الرحمة،
يسهل عليها أن تُشعل الخمسة كما أشعلت الخمسة.
واحد هو الميل لدى الحكيمات ولدى الجاهلات،
ولو شاء لكان حكيماً في كلا الحالين.
إذ حدّث نفسه بالرأفة تجاه قريبه،
280 عرّفه أن له (طريقين) اثنتين: (طريق) الخير و(طريق) الشرّ.
سألت الخفيفاتُ المستعدّاتِ زيتاً،
فوبّخه لأنه يجب عليه أن يرحم رفاقه.
ما أرادت الحكيمات أن يلبّين الوقحات،
فأنّب جهراً قساوة النفس التي لا رحمة فيها.
285 قلن لهنّ أن يمضين ويشترين لدى الباعة:
هو لوم شديد: لماذا لم يعمل في وقت مضى؟
فكل انسان يقدر أن يعمل الأعمال الحسنة ما زال على الأرض،
ويسهل عليه أن يبلغ درجة الكمال.
ما اشتغلن هنا، بحبّ، كما يليق،
290 فأظلم النورُ في مصابيحهنّ، يوم العرس.
لم يكرّسن بعض غلاتهنّ للمحتاج،
فرفضت لهنّ الحكيمات صدقة من الزيت.
لم يُصغين لصوت يطلب الغفران،
فسمعن قولاً: “لا أعرف أعمالكنّ”.
295 أغلقنَ أمام التلاميذ باب كلمة أفواههنّ،
فأُغلق في وجههنّ بابُ ملكوت العلاء.
تنكّر حبّهن فما اهتمّ بمحبة البشر،
فما أراد الملك أن يجعلهنّ أهلاً لعناية حبّه.
جازتهنّ العدالةُ لظلاماتٍ رموها،
300 وبهذا الكيل، كيل أعمالهنّ، نلن الأجر (المستحقّ).
هنّ حكمن على نفوسهنّ أمام الديّان،
وبحكم أفكارهنَّ دمّر أعمالَهنّ.
ليس الديّان من حرم أعمالهنَّ الجزاء،
بل حرمن نفوسهنّ حين لم يردُدن دَين الحبّ.
305 ليس الختن هو الذي لم يعرفهنّ، كما كُتب،
بل هنّ ما رضين أن يعرفن بالحبّ حبّه.
ليست العدالة هي التي أغلقت الباب في وجههنّ،
بل هنّ أغلقنه حين لم يفتحن حبّهن على الآخرين.
فلو فتحن باب إرادتهنّ أمام المحتاجين،
310 لما أغلق الختنُ لهنّ بابه.
ولو مسحن بزيت الكلمة مرضى الخطايا،
لما نقص زيتُ الرحمة في مصابيحهنّ.
ولو أفضن الحبّ الذي فيهنّ على المضايقين،
لأفاضت رفيقاتهنّ الحنان عليهنّ.
315 في وجه نفوسهنّ أُغلقت طريقُ المراحم،
فما كفت أعمالهنّ للسير مع المستعدات.
منهنّ نتعلّم كيف نسيّر حياتنا على هذه الأرض،
وبمجازاتهنّ نتأمّل في جزاء الدينونة هناك.
من أجلنا كُتب عن سيرتهنّ، في الرمز،
320 ومن أجل تعليمنا سعت الأسطرُ وكأنها حقيقة وواقع.
ما قلت “كأنها حقيقة”، لأن ما قلتُ ليس بحقيقة،
بل لأن الأمور لم تجرِ في الواقع كما كُتب.
لم تحصل حقاً كما كُتب،
ولكن لا شكّ في أنها ستحصل في المستقبل.
الرمز والحقيقة
325 في الرمز هي شبه الحقيقة،
وبهذا الشبه يُشبه الأعمال التي بعد الزمن.
بسرعة حركته يُشبه الظلمة،
وكالجسم يتبيّن الحقيقة بواسطة الأعمال.
اعتاد، في الكتب، أن يركض أمام الأعمال،
330 ويستبق ليُعلن ما سوف يكون في الآخرة.
من يتأمّلها يُره البعيدات وكأنها قريبات،
ومع أنها بعيدات، تخبر عنها بشكل قريب.
كالرسَّام يرسم الكلمات التي ما صارت أعمالاً،
ويُشبّهها بشكل العفّة.
335 يُشبه الرمزُ صورةً صُوّرت في البتولات،
وبه نتحرّى طبيعة الانسان وطريق حياته.
به تُعلَن عظمةُ حبّ النفوس النقيّة،
وقساوة القساة به تُذاع.
نقاة النفوس دعتهم حكماء ومالكي الزيت،
340 والذين يشترون الزيت، سمّتهم القساة والجهّال.
تطبيق الرمز على الواقع
الزيت هو الرحمة، يبيعه من امتلأ رحمة،
ولكنه ما باعه، فدلّ على أن هذا البيع لا يُباع.
وعرفنا أن هذا البيع لا يُباع إلاّ في وقته،
ففي زمانه يُباع من قبل الواحد إلى الآخر.
345 يُباع البيعُ في أعمال تُعمل (في هذا العالم)،
أما في الآتي، فيبطل البيعُ والشراء.
بهذا الشكل، ما باعت الحكيمات،
لئلاّ يتبلبل ترتيبُ الخلق لدى الخالق.
بترتيب رتّب العالمَين، هذا وذاك،
350 فسار بحكمةٍ ترتيبُ ترتيبهما.
العالم الزمنيّ يليق بالبيع والشراء،
والعالم الآتي بالراحة والهدوء والعذوبة.
تعالوا، أيها الشارون والبائعون، إشتروا وبيعوا،
في عالم أعطي لبيع المبيع وشرائه.
355 لا يرذلُ أحدٌ الترتيب العظيم في العالمَين،
ولا يتوقّف عن الشراء هنا ليشتري هناك.
لا يستطيع انسان، ولا يتجاسر أن يدخل الملكوت،
وإن هو تجرّأ، انقلبت جسارته عليه.
إن كان محتقرُ الملكوت الزمني ينال دينونة،
360 تتضاعف دينونة من احتقر ملكوت العلاء.
في العلاء يكون الملكوت الذي لا ينحلّ،
ولا موضع فيه لسلوك بحسب الأرض.
فالأرضيّون لا يقدرون أن يصعدوا إلى هناك،
ومعهم أخْذُ الأرضيّين وعطاؤهم.
الرحمة والمحبّة
365 بالبتولات الخمس اللواتي منعهنّ من الدخول،
عزم أن يمنع كل من نقصته الرأفة.
لم يعط الأجر لأعمال قاسية قامت بها بتوليّتهن،
فبيّن أنه يحتقر كل تصرّف لا حبّ فيه.
بتولاتٍ كنّ، وسلوكُهنَّ حقيقيّ،
370 وإذ لم يستفدن من الأعمال ابتعدن عنها.
امتلكن سلوكاً لم يستفدن منه،
فما وهبن ولا أخذن أجرَ أعمالهنَّ.
تحمّلن القتال ضدّ الشهوات في سبيل الأجر،
ولكنهنّ ما ملن حسناً نحو صدق (يقدّمه) سيّدُ الأجر.
375 هدفَ المراحم أراهنّ ليتشبَّهن به،
وإذ لم يتشبّهن، أبعد الاكليلَ عن رؤوسهنّ.
حاولن أن ينلن منه إكليل الظفر،
فأنّبهن على عيون الملائكة والبشر.
لا يخلص الانسان وحده
كم هو قاسٍ شرّ الليل الذي لا يعرف الرحمة:
380 يجعل الأعمال كلا شيء في يوم المجازاة.
كم يُبغض الانسانَ الذي لا يُشرك الانسانَ في سعادته،
فهو وإن امتلك السعادة في نفسه، يُحرم من السعادة.
وما أجهل الانسان الذي يجمع لشخصه وحده،
فان امتلك العالم، كان وكأنه لا يملك شيئاً.
385 فالذي لا يملك سوى نفسه، لا يملك شيئاً،
لأن نفسه لا تقوم من دون الآخرين الكثيرين.
النفس لا تقوم في الجسد بدون أعضاء،
وبدون الأعضاء لا تنال أجر أعمالها.
مهما كانت النفس، فهي تحتاج إلى أعضاء،
390 فبالأحرى يحتاج الانسان إلى الانسان.
يُتمّ الانسانُ سعْيَه في البرّ بواسطة انسان،
وإنّ هو تبرّر بدون الانسان فليس هو بإنسان.
لا يقدر الانسان أن يكون انساناً بدون الانسان،
كما العدالة، بدون الانسان، لا تكون عدالة.
395 أنت تطلب، أيها الانسان، أن تكون عادلاً وصالحاً،
فاعمل لرفاقك ما ترغب أن يكون لك.
أنت تريد أن تنال أجر أعمالك، في يوم الجزاء،
فرُدّ لصاحبك دَين الحب، فتنال الجزاء.
أنت ترغب في لقاء الختن السماويّ في ثياب النور،
400 فليكن وجهك منيراً أمام أصدقائك، فتستقبله.
أنت تودّ أن تدخل إلى هذه العذوبة مع الحكماء،
فحكّم الجهّال فتدخل في مقدّمة الحكماء.
لا يدخل أحد ما لم يُدخل معه الآخرين،
فهذا ما يفرضه ترتيب الداخلين إلى (الملكوت).
405 يسأل البّواب الداخل: “هل معك أحد”؟
إن كان معه يدخل، وإلاّ يبقى خارج الباب.
تعالوا، أيها الداخلون، يا من ترغبون في الملكوت،
فاسمعوا ما يُطلب ممّن يَطلبُ أن يدخل ليراه.
تعالوا، أيها الحكماء، وشاهدوا حكمة (العذارى) الحكيمات:
410 فهمن، عرفن أن يأخذن معهنّ زاد المراحم.
تعالين، يا بتولات، واسمعن كلمة توجّهت إلى الجاهلات،
وتنقّين من اسم “جاهلات” لئلاّ تسمعوها.
يا من تحبّون التأمّل، وتبغون أسرار الخفايا،
أتمّوا بالفعل التأمّل الذي ولّدته افكارُكم.
415 يا من تفسّرون أمام التلاميذ أسراراً في الرموز،
إفعلوا في شخصكم ما عنه تُخبرون.
يا من دعاهم العريس، فانتظَروا وعدَ الملكوت،
إستيقظوا من رقاد الجهل،
ولنروِّح هنا عن المحتاجين لئلاّ نتعذّب في جهنّم.