إيليا الثالث ابن الحديثي المعروف بأبي حليم
الحمد لله مؤلف بدائد الموجودات على النظام العجيب. وناظم شرائد المخلوقات على أحسن الهيئات والترتيب. الذي رقانا بالشريعة المسيحية إلى أعلى مراتب التهذيب. وهدانا إلى ملكوت السماء في أنهج الطرق وأقرب الأساليب. ووعد الطائعين بالنعيم الأبدي في المحل الأفسح الرحيب. وأوعد العاصين بنوازل البلاء وقوارع التأديب. وخص الأمة المسيحية بالعقول الرواجح والرأي الصليب. وميزهم عن الأضراب والأكفاء بالشريعة الفضلية ويمن بركات الصليب.
نحمد حمدًا نستمطر به من غمائم رحمته أغزر الديم والشابيب. ونشكره شكرًا يحظينا من جلائل نعمه بأوفر حظ وأجزل نصيب. أيها المؤمنون إن ملوك الأرض إذا وطئت ديارهم سنابك خيول الأعداء. وسحب المحاربون لهم على ذمارهم ذيول الاذاء. نزلوا عن صهوات القلل العواصم واعتدوا للنظال. وتزحزحوا عن سدد الممالك بالهمم القواصم لقراع الأبطال. عقدت على رؤوسهم عصائب البنود والأعلام. وتسلحوا بالقضب البواتر واللهاذم والسهام. فاذا احتدمت بين الصفوف نار الحرب واشتد اللدد. وازعجت القلوب غمغمة الأبطال وصلصلة الصوارم وخشخشة العدد. وتغشت الأبصار من هبوات المعارك واشتباك القساطل. وادهشت الأفكار شعشعة اللهاذم وقط البواتر واصطكاك الجحافل. نظروا إلى جهة العلم المشدود. واللواء المعقود. فاذا رمقته أبصار الأنصار ظاهرًا مشهورًا. مفيئا بعصائبه على رؤوس الكماة والأبطال منشورًا. أبانوا عن حسن الولاء والطاعة. ومُلئت صدورهم بالنجدة والشجاعة. وثبتت قلوبهم لثبات القلب. وأثخنوا الخصوم والأعداء بنقط الطعن وشكل الضرب. حينئذ تجزع قلوب الأعداء زعجة الهزيمة. ويفوز الأولياء المناصحون بأكلة النصر وبهجة الغنيمة. واللواء المعقود على الأمة المسيحية. والعلم المنشور على رؤوس الكتائب السليحية.
هو الصليب المسيحي المنصوب في مذابح بيعته. واللواء النوري الذي مُدت على أمة السيد المسيح أضواء أشعته. به تأيد الرسل الأطهار على مناضلة الشياطين. وشيدوا فخار الدعوة أمام الملوك والسلاطين. بأياته قهروا فلاسفة اليونان. وبمعجزاته هدموا بيوت الأنداد وهياكل الأوثان. به أصحب قسطنطين الملك الرومي بعد جماحه وإبائه. وحل عن قلبه الزكي عقد عقائد أسلافه وآبائه. ظهرت له على صفحات السماء آيته. تشكلت بالكواكب النورية صورته. أمر بركزه على أسنة الرايات والأعلام. وظهرت له به يوم نزال الأعداء بواهر الآيات العظام. تشرفت به أعلامه وبنوده. تبركت بشكله الرباعي جيوشه وجنوده. تشجعت برؤيته همم أنصاره وأعوانه. ودمغ به قمم المتمردين على ملكه وسلطانه. انتشر به في جميع الأفاق صيت دولته. وأرغم به معاطس الأعداء حتى أذعنوا لشدة بأسه وسطوته. داس به حمم العقارب الشيطانية. واستقاد به همم الأباعد والأقارب من الأمم اليونانية. وصار به علمًا مشهورًا في دين المسيح. ومصباحًا زاهرًا في البيعة الأرتادكسية بالإيمان الصحيح. حتى افتخرت ممالك اليونان برونق دولته. وصارت أيامه غُرة على جبين الدهر تزهو بها أمة السيد المسيح وآل دعوته. بنوره أشرقت النصرانية. وامتد على الآفاق شعاع المملكة الروحانية. وهو قبلة الساجدين. ومحراب المتهجّدين. ودليل المهتدين. وسبيل المجتهدين.
هو الملجأ العاصم من الأذاء. والدوائم الحاسم كوامن الأدواء. هو القلة العاصمة المنعاء. والقبلة التي يتوجه نحوها الدّعاء. بظهوره افتخرت الأمة. وبنوره انحسرت الغمة. هو رائد السائرين في طرق الحياة. وقائد القلوب والأذهان إلى أمصار النجاة. به يستأنس الحبساء المؤيدون في وحشة الخلوات. ويتأيد الفضلاء المجتهدون في مواقف الصلوات. به مُثلت الحيّة النحاسية حيث كانت حذاء الشعب معلقة. وبه شبهت العصا الموسوية يوم حرب العمالقة. في تقاطيع خطوطه دلالة سرّ التوحيد. وفي النظر إليه تصور الجهاد الملمّ بالنجل الوحيد. ما ارتفعت برسمه يد إلا رفعت ردى. ولا استنصر به أحد إلا وقمع به عدى. ما اعتصم به ممنوّ بلمم إلا وصرف عنه اللمم. ولا استصرخ به ذو غمم إلا وجلا عن قلبه غمرات الغمم. فكم من سليب العقل عاد به إلى الرصانة. وحائد عن أساليب الفضل انقاد إلى الأمانة. وطال ما تطهر به الموصخون. واستظهر باسمه المناصحون. وقام ببركته المقعدون. ودنا بيمن نقائبه الأبعدون. فعظموا أيها المؤمنون يوم وجوده وظهوره. واجلوا أقذاء الشبهات عن أبصار البصائر بأشعة نوره. واعلموا أنه يوم ظهرت فيه العجائب. واشتهرت أمام الجمع بواهر الآيات الغرائب. وانشر الميت أمام الملكة. وعُرف أنه صليب مخلص الكل من غمار الهلكة. هو الغرس الذي ازدهرت البركات من أفنانه. وأورقت الخيرات من أغصانه. وكان النجل الحبيب ثمرته. والمختار النجيب زهرته. والجاجلة الأورشليمية أصله وأرومته. والجمجمة الآدمية جذمه وجرثومته. وأرض صهيون منبته وقراحه. ويوسف الحسيب أكاره وفلاحه. الطاف فيها لطائف. واسرار من مَن ورائها طرائف.
ونحن الآن نطلب من مفيد الخلاص. ومخلصنا بشرع الاختصاص. أن يشمل العالم بفائض نعمته. ويكنفهم من مواقع الأذاء برأفته. ويكلأهم من نوازل البلاء برحمته. وينجي الشعوب المسيحية من المكارة واللأواء بقدرته. ويحرس دولة سيدنا ومولانا أمير المؤمنين بكلاءته. ويكنف أنصارها وأعوانها بجناح حراسته. ويرغم بالنقم الدوامغ أعداء دولته. ويدخل أقطار الأرض تحت اطلال عدله وسلطان مملكته. بشفاعة السيدة الطاهرة البتول. وصلوة السليح مار ماري الرسول… آمين.