• 21 December, 2024 10:39

Karozota.com

Sweden

محاسبة النفس والاستعداد

Bykarozota.com

Aug 19, 2009

القديس مار أفرام السرياني

أيها الأخ الحبيب ثابر على خلاصك، اجلس في هدوء واجمع أفكارك وقل لذاتك أيها الإنسان لك هذا الزمان وأنت صانعًا الشهوات؟!.
ماذا انتفعت؟ ماذا ربحت؟ هل زدت على قامتك ذراعًا واحدًا. لقد صرت سمينًا فما خزنت لنفسك شيئًا آخر سوى طعام الدود؟ إنك أشبعت ذاتك خيرات فهل كترت لك كترًا في السموات؟ وكيف ستفعل عند خروجك من العالم؟
ويلك يا نفسي إنك في مثل هذه السيرة… ها إخوتك قد تزينوا بالفضائل هؤلاء المتقون الله بالحقيقة، وأنا ذهبت إلى الظلمة، بالغداة أندم على الأعمال التي عملتها وفي الليلة المقبلة أكمل أشر منها، الرب وهب لي حياة وصحة وبهما ُأغضب من خلقني.
يا نفسي لماذا تتوانين؟ ولماذا تتهاونين؟ يا نفسي اعرفي ضعفك وحتى متى تقاومي من خلقك، وتخالفي وصاياه؟
أيها العدو الخبيث قد جعلتني عارًا للملائكة والناس، مطيعًا مشورتك المنافقة إذ أوحيت لي قائلا اعمل شهوتك مرة واحدة ولا تصنعها بعد، وها هي تلك الصغيرة قد صارت لي عظيمة، وما يمكنني أن أقاتل شهواتك الخبيثة ذات الألوان الكثيرة. إن الماء إذ وجد ثقبًا صغيرًا فباستمراره صنع منه هوة عظيمة.
لقد أظلم ذهني بالأفكار الدنسة فأتيت بي إلى جب الخطية. لمن أقول فيبكي عليّ أنا الشقي إذ العدو أوقفني مجردًا لكي لا أنظر إلى الاتكال على الله (ولكنني لا أيأس من خلاصي إذ هو جزيل التحنن كثير الصلاح).
وماذا أقول للعدو لأنه حل نسكي من أجل مرضي وجعلني غريبًا عن السهر في الصلوات، غرس فيَّ محبة الفضة، جف دموعي، غّلظ قلبي، فصلني عن إطاعة المسيح، صيرني حسودًا، الخشبة التي في عيني لم يسمح لي أن أبصرها، وقذى أخي يقدمه أمام عيني، يشير عليَّ أن أكتم أفكار قلبي، وإذا سقط أخي في هفوة يجعلني أهذ فيها.
لقد علمني العدو أن أكون متكبرًا وغضوبًا، وجعلني شرهًا وسكيرًا ومحبًا للذة.
خسارات نفسي جعلها عندي فوائد، صيرني متذمرًا، علمني أن أكون مترهًا عن القراءة والترتيل، أصلي ولا أعرف ما أتلو، يسبيني ولست أعلم مرارًا كثيرة.
“هلمي يا نفسي من الآن إلى ذاتك في اعتماد على من خلقك، ولتذكري نعمة من سترك لئلا يبتعد عنك. يا نفسي اهربي من إبليس فإنه قاتل الإنس ان منذ القديم فإن اقتربت إليه لا يشفق عليك من الهلاك .فالصقي بالإله المتعطف على البشر استحي يا نفسي من الآن واقبلي إلى طريق الخلاص “.
ينبغي لنا أن نحزن لأن نسيج حياتنا يبلى كل يوم، الأيام تجري لتطردنا من الدنيا ونحن لا نسرع إلى عمل الحسنات.
وهذا هو الحزن الكبير أن أيامنا تجري إلى الوراء والخطايا إلى الأمام!
الحياة تنقضي والذنوب تكثر، ونحن كمثل بيت كثير المصروفات وليس له من إيراد فهذا سريعًا يخرب، الأيام والليالي دائبة تجري فتنقضي من أعمارنا، النهار يدفعنا لليل، والليل يدفعنا للنهار، ليس لنا اليوم الحياة التي كانت لنا أمس. اجعل اليوم توبتك لئلا يأتيك الموت في هذه الليلة الأمر الذي قد تهيأت أن تفعله ابدأ به الساعة إن تحركت فيك فكرة صالحة لا ترقد حتى تبدأ في عملها.
أيام حياتك ليست لك، ولا تعرف كم عددها! ولست تدري متى يدركك الموت، لست تدري اليوم ماذا يأتيك به الليل المقبل فمن الآن أسرع قبل أن يسوقك. اجر لئلا يدركك، أسرع قبل أن يمسكك..
اليوم هو لك أما الغد فلست تدري لمن يكون؟! أنظر إلى النهار ما أسرع ذهابه فاحرص أن تذهب معه خطاياك. لا تغمض عينيك للرقاد حتى تفتح قلبك للصلاة.
بالعشاء ابتعد عن خطاياك وبالغداة اظهر صلاحك، لا يكن قولك بعيدًا عن عملك. قبل أن تقول تهيأ للعمل، إن تحركت فيك فكرة صالحة فمن ليلتك ابدأ بعملها واغتنمها، وإن تحركت فيك فكرة الحسنات فمع طلوع الشمس ابدأ بعمل الصلاح وابعد عن الشر، لا تتعب في شيء ليس هو لك، وتضيع شبابك باطلا، لا يكن قلبك منشغلا عما يغني، عازفًا عن العمل الصالح، الحياة سريعًا تذهب والموت سريعًا يجيء .الزمان سريع الذهاب وهو متعجل أن يجوز ما خلا يوم توبتك فلا يريد أن يأتي.
في شبابك كنت تقول أتوب! إذا ما كبرت مضى الشباب وجاء الكبر، لم تتب، أفنيت شبابك بأوجاع الشهوات والذنوب، وعندما كبرت لا ترغب أن تتوب.
من يوم إلى يوم تطرد التوبة وأظنها قد هربت منك. في شبابك قلت أبقى حتى أصنع هواي وأتوب عنها، منها قد كبرت أطلب التوبة قبل أن يطلبك الموت فإن بعد الموت ليس هناك توبة، الأيام التي مضت تخبرك عن الأيام التي تأتي .الأولى لم تختبيء والأخرى لا تبقى .قد كنت بعيدًا عن يومك، وفجأة أدركك، وها هو مسرع إلى الذهاب كما ذهبت الأيام السابقة .أنظر إلى نفسك قبل أن يجوز يومك وأذكر أن شبابك لن يدوم، تعبر مثل الظلام ومعها تنقضي حياتك.
كما أن الصعوبة في بناء بيت ما ليست في وضع الأساس بل في الارتقاء بالبناء إلى العلو اللازم. بمقدار ما يزداد البناء ويرتفع يزداد التعب والكلفة هكذا حال البناء الروحي فإن الصعوبة الأشد ليست في وضع الأساس بل في البلوغ إلى كماله الأقصى.
لا شيء أعلى قدرًا من خلاص النفس فمن أجلها يا إخوتي ينبغي أن نهتم ونستعد كل يوم ولا نفني زماننا في الاهتمام بالجسد، فإذا جاع الجسد وطلب طعامًا تذكر أنت أن النفس أيضًا تطلب حاجتها، وكما أن الجسد إن لم يتناول خبزًا لا يستطيع أن يعيش كذلك النفس إن لم تتغذى بالحكمة الروحانية فهي مائتة.
فلنتب زمانًا يسيرًا ولنملك إلى الأبد… ليكن المزمور كل وقت في فمك ما دام لنا أوان التوبة فلنداوه بالعبرات أي بالدموع لأن وقت التوبة قليل ومالك السموات لا نهاية له. نحن نطوب القديسين ونتوق إلى أكاليلهم. هل تظنون أنهم كللوا بغير أتعاب وأحزان؟.
أية راحة كانت للقديسين في هذا العالم؟ بعضهم ضربت أعناقهم، وآخرون ذاقوا الاستهزاء، دفعوا للسياط والقيود والحبس، رجموا نشروا وماتوا بحد السيف. طافوا بجلود غنم وبجلود معزى معوزين مذلين. تائهين في البراري والجبال والمغائر وشقوق الأرض… وفي سرور احتملوا كل هذه وغيرها إذ كانوا ينظرون إلى الخيرات المحفوظة في السموات التي لم ترها عين ولم تسمع بها أذن ولم تخطر على قلب بشر التي أعدها الله للذين يحبونه…
الويل للمتواني لأنه سيطلب الزمان الذي أضاعه عبثًا ولا يجده… ولنطلب يا إخوتي الملك الذي لا نهاية له ولا انقضاء، لنطلب ذلك الفرح الدائم فنكون مع المسيح الذي له المجد الدائم الآن وإلى الأبد آمين.
أطلب إليكم يا إخوتي أن نسارع من الآن لنوجد عنده غير دنسين… إذا جاءتك شهوة أو فكر رديء فاستل سيف التفكر في مخافة الله ليقطع قوة العدو، وليكن لك عوض البوق الكتب المقدسة إذ كما أن صوت البوق يجمع الجند هكذا الكتب الإلهية تهتف فتجمع أفكارنا إلى مخافة الله… وأيضًا تنهضك بنشاط وتشجعك على كافة الآلام… لذا يا أخي اغصب ذاتك بكل طاقتك أن تقرأها دائمًا .إذ بسوء حيله أن صارع إنسان الفكر ولم يستطع ان يقهره حينئذ يأتي به إلى الأحزان ويظلم عقله وذهنه… فإن لم يوجد الإنسان مستيقظًا يستطيع أن يبتلعه حيًا إ لى الهاوية، فإن لم يمكنه بهذه الحيلة يمنحه رفعة وطغيانًا التي هي أشر من كافة الآلام، وهذه تأتي بالعقل إلى عمق اللذات فلا يعرف ضعف طبيعته، ولن يتذكر يوم وفاته .إنه يمشي في الطريق الواسعة تلك المؤدية إلى الهلاك ..
لذلك يا أخي تيقظ واحرص دائمًا أن تلتصق بقراء ة الكتب الإلهية لتعلم كيف تهرب من فخاخ العدو وتدرك الحياة الأبدية. ثابر على القراءات والصلوات ليستضيء ذهنك ويصير إلى التمام.
يوجد قوم يفخرون بمخاطبة الرؤساء والملوك فلتفتخر أنت أمام الملائكة إذ تخاطب الله بالروح القدس، وبقدر ما تخاطب الله بقدر ما يتقدس جسدك وروحك.
إذا كانت يداك تعمل عملا ما فصلي بذهنك فإن حنة النبية كانت منسكبة في صلاة قلبية عميقة جدًا.
إذا كنت لا تعرف قراءة الكتب الإلهية فاذهب إلى من هو عالم بما فيها واستمع إليه فمغبوطون هم الذين يفحصون عن شهادته ويطلبونه من كل قلوبهم احذر الضجر والقراءة بلا اهتمام لأجل أن يشغلك بأمر آخر بل صر كالأيل الذي يشتاق أن يأتي إلى عين الماء أي الكتب الإلهية لتشرب منها. لا تهملها بل رددها واكتبها في قلبك واحفظها في ذهنك إذ كنت أتلو في حقوقك وأيضًا “بماذا يقوم الشاب طريقه؟ بحفظه أقوالك. بكل قلبي طلبتك فلا تبعدني عن وصاياك .خبأت كلامك في قلبي لكي لا أخطيء إليك.
من ذا الذي يتذكر أقوال الرب ولا يقوم طريقه، إن مثل هذا يدعو ذاته مسيحيًا لكن يجحد أعمال المسيح لذا يأمر أن يترع منه عمل الروح القدس الذي أخذه فيصير بمترلة إناء نبيذ يرشح كثيرًا فيضيع ما فيه والذين يبصرونه يظنون أنه ممتليء لكن حقيقته فارغ… هكذا ذلك الإنسان عندما تنكشف حقيقته أمام الجميع يوم الدينونة مثل هؤلاء يقولون أليس باسمك صنعنا قوات؟ فيقول لهم إني لا أعرفكم
تذكر هذه الأقوال التي سمعتها وقوّم طريقك ولا تدع النسيان يخدرها ويترعها من قلبك… لا تدع الخبيث يأكل زرع ابن الله… ولتخبيء التعليم الصحيح في قلبك فيثمر بالتقوى. جاوز القراءة مرتين وثلاثة ومرارًا كثيرة وأطلب أولا إلى الله قائلا يا ربي يسوع المسيح افتح ذهني وقلبي لأسمع وأفهم وأصنع مشيئتك. اكشف عن عيني فأتأمل عجائب من شريعتك… أطلب إليك يا أخي لا تزعم إنك حكيم وتفهم ما هو مكتوب… فإن كلمات الله كالفضة المحماة سبعة أضعاف وليس فيها عيب بل هي مستقيمة للذين يفهمون.
كما أن السيف يقطع عصب الفرس ويلقي راكبه هكذا العزم الرديء يقطع قوى النفس ويدفعها إلى الحزن.
من هو الذي يريد أن يمضي إلى مدينة مسافتها خمسون غلوة فيمضي تسعة وأربعون غلوة وتنقصه غلوة واحدة. هل يقول إنه وصلها؟ لأنه قد خرج من عند أهله وموطنه؟!.
يوجد من يترك موضعه لأجل الفضيلة، وآخر لالتماس البطالة وعدم الخضوع.
يوجد من يفحص عن الحكمة وآخر يبغي كثيرًا السبح الباطل.
يوجد من يخضع ويطيع من أجل وصية المسيح، وآخر لأجل فائدة دنيئة.
يوجد من يمدح قريبه لأجل وصية المسيح، وآخر لأجل استرضاء الناس.
يوجد من يدفع ذاته لأجل وصية المسيح، وآخر يثلب قريبه لأجل نهم البطن.
يوجد من يعمل كثيرًا من أجل الصدقة، وآخر من أجل محبة الفضة.
يوجد من يعمل في غير وقت العمل، وفي وقت العمل لا يعمل.
يوجد من يسبح ويعلي صوته، وفي وقت التسبيح يسكت أو يكلم قريبه في الباطل.
يوجد من يسهر باطلا، وفي وقت السهر ينام
إن قلوب الناس مكشوفة لدى الله، بدء السيرة الصالحة الدموع في الصلاة واستماع الكتب الإلهية، ربوات كتب في أذن الجاهل تحسب لا شيء ومن هو الجاهل إلا المتهاون بمخافة الله، فإن قلب الحكيم يقبل الوصايا بأوفر حكمة.
لا تقاوم الشر بالشر (متى 5: 39)، لا تمنع شيئًا عن أحد لئلا تلام إذا هلك، لا تتلون في احترامك للناس حسب المقتنيات، لتكن كل الأشياء عندك كأنها غير موجودة والله وحده هو الموجود، إذا سألت قريبك ولم يعطك ما تريد فاحرص لئلا تخرج كلمة غضب من فمك تقطر مرارة، لا تقاوم
الدوافع الصالحة لأن تغيرات ميول النفس كثيرة، ابعد الأسى عن جسدك والحزن عن فكرك (جا 11: 10) إلا ما يتعلق بخطاياك وهذا كفيل أن يجعلك في حزن مستمر. لا تكف عن العمل حتى ولو كنت غنيًا لأن الكسول يكثر ذنوبه بكسله.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *