المعروف أن توقيت
الاحتفال بعيد الميلاد المجيد إنما هو توقيت رمزي لا تاريخي، فلا أحد يعلم علم
اليقين تاريخ ولادة المخلص.
والنصوص
الأربعة للإنجيل قدمت بعض المعطيات عن ظروف ميلاد السيد المسيح له المجد، لكنها لم
تورد تفاصيل عن تاريخ ميلاده، ذلك لأن هذه النصوص وباقي أسفار العهد الجديد إنما
كُتبت بعد عدة عقود من زمن الميلاد، وفي ضوء القيامة المجيدة التي كانت الأساس في
الإيمان بالرسالة التي حملها الناصري.
من هنا كانت
الكنيسة تحتفل في القرون الأولى بالفصح والقيامة والصعود والبنطيقسطى إلى أن تبلور
الاحتفال بباقي الأعياد الربية الأخرى والذي جاء بشكل تدريجي.
وبداية
الاحتفال بعيد الميلاد كانت في نحو منتصف القرن الرابع في روما على عهد البابا
يوليوس الأول حيث تم تغيير عيد "شمس البر" إلى عيد الميلاد.
ومع اعتماد
التقويم الميلادي تم تحديد يوم 25 ـ 12 من كل عام للاحتفال بهذا العيد.. وقد يتساءل
البعض عن سبب احتفال بعض الكنائس الشرقية بعيد الميلاد في 7 ـ 1، والواقع أن الأمر
ليس كذلك.. وكل الكنائس تحتفل بعيد الميلاد المجيد في 25 ـ 12 من كل عام، لكن ثمة
تغييرات حسابية طرأت على التقويم الميلادي في ضوء الاكتشافات الفلكية التي تتعلق
بطول وقصر السنة.. ما أدى إلى بروز وصفين لهذا التقويم، الأول يسمى التقويم
اليولياني وهو ما يُعرف بالتقويم القديم والمعتمد لدى الكنائس الشرقية الأرثوذكسية،
والثاني هو التقويم الغريغوري "الجديد" المعتمد لدى الكنائس الغربية. ويكون
الاحتفال بعيد الميلاد المجيد حسب كلا التقويمين في 25 ـ 12 من كل عام كما أسلفنا،
لكن.. وبسبب هذه التغييرات الحسابية التي أشرنا إليها والقيام باحتساب الفروقات من
زيادة ونقصان في عدد أيام السنة عبر عدة قرون فقد برز ثمة فارق بين التقويمين يصل
اليوم إلى 13 يوما، بحيث أن تاريخ 25 ـ 12 في التقويم اليولياني "القديم" صار يقابل
اليوم تاريخ 7 ـ 1 حسب التقويم الغريغوري "الجديد". وأدناه توضيح لهذا الاختلاف:
لقد احتفل
المسيحيون في الغرب بعيد الميلاد يوم 25 ـ 12 من كل عام حسب التقويم الروماني الذي
سمي بعد ذلك بالميلادي, وقد تحدد
عيد ميلاد المسيح
بيوم 25 ـ 12 فى مجمع نيقية عام 325 م. حيث يكون هذا العيد في أطول ليلة وأقصر نهار
"فلكيا" والتي يبدأ بعدها الليل بالنقصان والنهار فى الزيادة، إذ بميلاد المسيح
"نور العالم" يبدأ الليل بالنقصان والنهار "النور" بالزيادة. هذا ما قاله
القديس يوحنا المعمدان
عن
السيد المسيح:
(ينبغى أن ذلك "المسيح أو النور" يزيد وإني أنا أنقص..
يوحنا 3: 30). ولذلك
يقع
عيد ميلاد يوحنا المعمدان
"المولود قبل الميلاد الجسدي للسيد المسيح بستة شهور" فى 25 حزيران، وهو أطول نهار
وأقصر ليل.. يبدأ بعدها النهار بالنقصان والليل بالزيادة.
التقويم الميلادي
كان يسمى
بالتقويم الروماني إذ بدأ بالسنة التى تأسست فيها مدينة روما "حوالي 750 قبل
الميلاد". وكانت السنة الرومانية 304 يوما مقسمة إلى عشرة أشهر، ثم أضاف الملك نوما
بومبليوس "ثاني ملك بعد روماس الذى أسس روما" شهرين آخرين وبذلك أصبح طول السنة
الرومانية 12 شهرا "365 يوما".
وفي القرن
الأول قبل الميلاد لوحظ أن الأعياد الإغريقية لا تقع فى موقعها الفلكي, فكلف
الأمبراطور يوليوس أحد أشهر علماء الفلك المصريين وهو "سوسيجينيس
Sosigene"
لتعديل التقويم ليصبح مثل التقويم المصري فى وقته، حتى تعود الأعياد الثابتة في
مواقعها الفلكية وذلك بإضافة ربع يوم إلى طول السنة الرومانية لتصبح 365 يوما وربع،
وسمي هذا التقويم بالتقويم اليولياني وذلك بإضافة يوم كل رابع سنة "السنة الكبيسة"
لتصبح 366 يوما.
وفى القرن
السادس الميلادي نادى الراهب الإيطالي ديونيسيوس أكسيجونوس بوجوب أن تكون السنة
"وليس اليوم" التى ولد فيها
السيد المسيح
هى سنة واحد، وكذلك تغيير اسم التقويم الروماني ليسمى التقويم الميلادي باعتبار أن
السيد المسيح ولد عام 754 لتأسيس مدينة روما بحسب نظرية هذا الراهب. وهكذا ففي عام
532 ميلادية "أي 1286 لتأسيس روما" بدأ العالم المسيحي باستخدام التقويم الميلادي
بجعل عام 1286 لتأسيس مدينة روما هى سنة 532 ميلادية. "وإن كان العلماء قد اكتشفوا
أن
المسيح ولد
حوالى عام 750 لتأسيس مدينة روما وليس عام 754، ولكنهم لم يغيروا التقويم حفاظاً
على استقراره إذ كان قد انتشر فى العالم كله حينذاك".
وهكذا أصبح
التقويم الميلادي هو السائد فى العالم وسميت السنة التي ولد فيها السيد المسيح بسنة
الرب،
وهذه السنة هى التى تنبأ عنها
إشعيا النبي
"إش 61: 1 ـ 2" وسماها سنة الرب المقبولة "سنة اليوبيل في العهد القديم" إشارة إلى
سنوات العهد الجديد المملوءة خلاصا وفرحا بمجيء الرب متجسدا ليجدد طبيعتنا ويفرح
قلوبنا ويشفي المنكسري القلوب، وينادي للمأسورين "روحيا" بالإطلاق وللعمي "روحيا"
بالبصر، ويرسل المنسحقين في الحرية. وهذه هي سنة الرب التى تكلم عنها السيد المسيح
نفسه قائلا لليهود: (إنه اليوم قد تم "بميلاده" هذا المكتوب.. لوقا 4 : 16).
لكن فى عام
1582 أيام البابا غريغوريوس، أعلن العلماء أن يوم 25 ـ 12 "عيد الميلاد" ليس فى
موضعه، أي أنه لا يقع فى أطول ليلة وأقصر نهار، بل وجدوا الفارق عشرة أيام. أي يجب
تقديم 25 ـ 12 بمقدار عشرة أيام حتى يقع فى أطول ليل وأقصر نهار، وقال العلماء أن
سبب ذلك هو الخطأ فى حساب طول السنة "السنة = دورة كاملة للأرض حول الشمس"، إذ كانت
السنة فى التقويم اليولياني تحسب على أنها 365 يوما و 6 ساعات. ولكنهم لاحظوا أن
الأرض تكمل دورتها حول الشمس مرة كل 365 يوما و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية، أي أقل
من طول السنة السابق حسابها حسب التقويم اليولياني بفارق 11 دقيقة و14 ثانية،
ومجموع هذا الفرق منذ مجمع نيقية عام 325م حتى عام 1582م كان حوالى عشرة أيام "تم
احتساب الأمر بأثر رجعي"، فأمر البابا غريغوريوس بحذف عشرة أيام من التقويم
الميلادي "اليولياني" حتى يقع 25 ـ 12 فى موقعه كما كان أيام مجمع نيقية، وسمي هذا
التعديل بالتقويم الغريغوري، إذ أصبح يوم 5 تشرين الثاني 1582 هو يوم 15 تشرين
الثاني فى جميع أنحاء إيطاليا.
ووضع البابا
غريغوريوس قاعدة لضمان وقوع عيد الميلاد "25 كانون الثاني" في موقعه الفلكي "أطول
ليلة وأقصر نهار" وذلك بحذف ثلاثة أيام كل 400 سنة "لأن تجميع فرق الـ 11 دقيقة و
14 ثانية يساوي ثلاثة أيام كل حوالي 400 سنة"، ثم بدأت بعد ذلك بقية
دول أوروبا تعمل
بهذا التعديل الذي وصل الفارق فيه اليوم إلى 13 يوما.
معنى ذلك أن
يكون هناك فرق بين التقويم اليولياني والتقويم الغريغوري ثلاثة أيام كل 400 سنة.
وكل هذا لضمان رجوع الاعتدال الربيعي وكذلك الأعياد الثابتة إلى ما كانت عليه أيام
مجمع نيقية.
هذا هو السبب
الذي جعل عيد الميلاد عند الغرب في 25 ـ 12 حسب التقويم الغريغوري الذي احتسب
الفارق في طول السنة عند اكتشافه.. بأثر رجعي. وعند الشرق 7 ـ 1 حسب هذا التقويم،
لكنه يصادف أيضا 25 ـ 12 حسب التقويم اليولياني!.
الخلاصة
الاحتفال بعيد
الميلاد المجيد يكون في 25 ـ 12 من كل عام عند جميع الكنائس. وتاريخ
25 ـ 12 الذي تحتفل فيه الكنائس الغربية بعيد الميلاد المجيد هو نفسه التاريخ
المعتمد اليوم "التقويم الميلادي.. الغريغوري".
بينما تاريخ 25
ـ 12 الذي تحتفل فيه الكنائس الشرقية بعيد الميلاد "التقويم اليولياني" يتأخر عن
التقويم الغريغوري "بسبب حذف عدد من الأيام ناتج عن الحسابات الفلكية" بفارق 13
يوما فيقع في 7 ـ 1 حسب هذا التقويم.. أي الغريغوري.
* الموضوع من العدد الجديد من مجلة
الأفق، باب (أفقنا الرحب) ص 28 ـ 30.
|