يعلن الكتاب
المقدس، كتاب الله أن المسيح هو الله منذ الأزل، لكنه قبل أن يصير إنساناً، فولد
وعاش ومات كما يحدث مع البشر، وذلك لكي يتمم قصد الله من جهة مشروع الفداء، لكنه لم
يولد كما يولد باقي البشر، ولم يعش كما يعيشون ولا مات كما يموتون، وذلك لأنه مع
كونه الإنسان، لكنه ليس مجرد إنسان، بل هو أعظم بما لا يقاس وسنتحدث هنا عن آيات
ارتبطت بميلاده تعلن أنه ابن الله.
1. آية ميلاده العذراوي:
هذه الآية يمكن اعتبارها آية الآيات، ليس فقط لاستحالتها المطلقة من الناحية
العلمية، بل لأن لها العديد من الدلالات الأدبية والروحية العظيمة. فالمولود
العذراوي يحمل دلالة مبدئية هامة جداً، هي أن
مجيء المسيح إلى العالم لم يكن بناء على رغبة إنسان، ولا كان في قدرة إنسان، بل كان
أيضاً فوق توقعات الإنسان وتصوراته. وليس هذا بغريب، فالمسيح ليس شخصاً عاديا
اصطفاه الله لنفسه، بل هو ابن الله من الأزل وإلى الأبد. وهو جاء إلى العالم لا
بناء على مبادرة من إنسان، بل إتماما لخطة الله الأزلية، وفي الوقت الذي اختاره
الله، وفي هذا يقول الكتاب المقدس: "لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً من
امرأة" (غلاطية 4 : 4).
ويخطىء كثيراً
من يظن أن المسيح بمولده من العذراء يشبه آدم في خلقه. ففي الحقيقة أن الاختلاف هنا
اكبر جداً من المشابهة. فالبعض يقول أن قدرة الله تجلت في خلق آدم بدون أب وأم ، ثم
في حواء التي خلق من أب وبدون أم، وأخيراً في المسيح الذي ولد من أم بدون أب. لكن
هذا الكلام غير صحيح بالمرة. فآدم مخلوق من الله خلقاً مباشراً، وبالتالي فإنه ليس
له أب أو أم، وبالنسبة لحواء فآدم لم يكن أباً لها بل زوجها. والله لما خلق حواء من
ضلعه أخذها من آدم، كان غرضه من ذلك توضيح نظرة الله المقدسة للزواج، وأنهما في نظر
الله جسد واحد، لكن لا آدم ولا حواء ولد بل الله خلقهما كما يقول الكتاب "فخلق الله
الإنسان… ذكراً وأنثى خلقهم" (تكوين1 : 27).
لكن بعد حادثة
علق آدم وحواء فإن الله جعل طريقة الدخول إلى العالم هي طريقة واحدة، لا يمكن أن
يحدث دخول إلى العالم بغيرها، وهي تزاوج رجل بامرأة. واستمر هذا الأمر آلافاً من
السنين، ولد ملايين وملايين البشر بهذه الطريقة الوحيدة. إلى أن جاء المسيح، فولد،
لكنه ولد بطريقة مختلفة تماماً عن سائر البشر. لماذا؟؟ ليس من سبب سوى أن المسيح
مختلف عن البشر!! ويمكن القول إن آدم خلق ولم يولد، وكذلك حواء. أما المسيح فقد ولد
ولكنه لم يخلق. وآدم قبل خلقه لم يكن له وجود، ولا حواء كانت موجودة قبل خلقها، لكن
المسيح كان موجوداً قبل ولادته. قال المسيح في إنجيل يوحنا 8: 58" قبل أن يكون
إبراهيم أنا كائن". إذاً فمسألة الميلاد العذراوي، لها أبعاد تختلف عن مجرد قدرة
الله، التي نحن نؤمن بها تماماً، بل أنها تؤكد سمو شخص المسيح. فهذا العظيم عندما
دخل إلى العالم، لم يدخله بالطريق الذي دخل منه سائر البشر.
في المطارات
ومحطات السكك الحديدية الكبرى، يكون هناك عادة باب لا يفتح إلا للملوك والعظماء دون
جماهير البشر الآخرين. على أن الباب الذي دخل منه المسيح إلى العالم لم يفتح ولا
حتى للمشاهير والعظماء، ولا للرسل أو الأنبياء، بل لشخص واحد في كل الكون ذلك أن
المسيح ليس واحداً من زمرة الأنبياء بل هو يختلف اختلافاً جوهرياً وجذرياً عن سائر
البشر، سواء في حقيقة شخصه، أو غرض مجيئه إلى العالم.
2. آية ظهور الملائكة للرعاة:
عندما وصل ابن الله إلى العالم، فقد أعلنت السماء لسكان الأرض هذا الخبر العظيم:
ميلاد المسيح. ولقد وقع اختيار السماء على قوم من الرعاة البسطاء، لا وزن لهم أو
تقدير عند العظماء، لكنهم كانوا محط اهتمام السماء، لأنهم أتقياء. وكان هؤلاء
الرعاة الفقراء أول من سمع بخبر ميلاد الفادي في ذات ليلة الميلاد. لقد أتى ملاك
السماء لهؤلاء الرعاة يقول: "لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب،
إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة تجدون
طفلاً مقمطاً مضجعاً في مذود". [لوقا 2: 10 – 12]. من هو هذا الذي بمولده تتحرك
السماء، وتعلن خبر مولده؟ قبل أن يولد يوحنا المعمدان قال الملاك جبرائيل لزكريا
أبيه: "كثيرون سيفرحون بولادته". وأما عند مولد المسيح فكانت كلمات الملاك للرعاة
أن الفرح العظيم سيكون لجميع الشعب" وذلك لأنه ولد لهم مخلص. ونحن نعلم أن المسيح
أتى مخلصاً، لا من عدو أرضي، ولا من مشكلة وقتية، بل من الخطايا! دعنا لا ننسى أن
الله في العهد القديم كان قد صرح بشكل حاسم بأنه هو وحده المخلص، عندما قال: "أنا
أنا الرب، وليس غيري مخلص". [إشعياء43: 11]. وأيضاً: "أليس أنا الرب ولا إله آخر
غيري، إله بار ومخلص، ليس سواي". [إشعياء 45: 21].
وها قد أتى
المسيح لكي يخلص شعبه من خطاياهم، وذلك لأنه هو الله الذي ظهر في الجسد. وبمجرد أن
أنبأ ملاك السماء بمولد المخلص، حدث شيء عجيب آخر، إذ انشقت السماء عن جمع حاشد من
الملائكة مسبحين وقائلين:" المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس
المسرة". فهو وإن كان مضجعاً في مذود، إلا أنه موضوع تسبيح ملائكة السماء! إنه ابن
الإنسان المتواضع وابن الله العظيم في آن!" وبالإجماع عظيم هو سر التقوى، الله ظهر
في الجسد… تراءى لملائكة" [1 طيمثاوس3: 16].
3. آية ظهور نجمه في السماء:
ارتبط مولد المسيح أيضاً بظهور نجم في السماء لمجوس من بلاد الرافدين. كان هؤلاء
المجوس علماء في الطبيعة والفلك. ولقد رأوا نجماً يدل على مولد المسيح فأتوا
ليسجدوا له. فكما كلم الله الرعاة باللغة البسيطة التي يفهمونها، فقد كلم المجوس
أيضاً بلغة الفلك التي يفهمونها. وعندما أتى المجوس فقد قالوا عبارتهم الصغيرة، لكن
العميقة "إننا رأينا نجمه في المشرق، وأتينا لنسجد له" [متى 2: 2]. لاحظ أنهم لم
يقولوا رأينا نجماً في السماء، بل رأينا نجمه"!
وهؤلاء المجوس ما أن رأوا نجمه، وعرفوا بمولده، حتى شدوا الرحال فوراً إلى أورشليم.
فماذا رأوا بعد كل هذا العناء وتلك المشقة؟ لم يروا شخصاً في قصر عظيم، بل رأوا
طفلاً صغيراً في مكان بسيط ومتواضع، تحمله امرأة رقيقة الحال. لكن ما كان أعظم
إيمانهم، فهم من خلال حجاب الاتضاع وستار الفقر، رأوا مجده! لم يسجد هؤلاء المجوس
الحكماء لهيرودس عندما رأوه في قصره، مع كل مظاهر العظمة الزائفة التي كانت تحوطه،
لكنه سجدوا لذلك الملك المجيد الوليد. ثم لاحظ أيضاً أنهم لما سجدوا لم يسجدوا
لسواه. فلا يقال مثلاً أنهم سجدوا لمريم ويوسف، بل "خروا وسجدوا له" [متى 2: 11].
|