|
|
|
|
|
إن
الديانة النصرانية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح
الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس... | |
|
|
|
وصية
جديدة
انا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا. كما
احببتكم انا تحبون انتم ايضا
بعضكم بعضا.
| |
|
الأحد الجديد
(إيمان تــومـــا)
-
ها نحن في الأحد الثاني بعد
قيامة الرب يسوع من بين الأموات، هذه القيامة التي تؤكّد صحة تعاليم المسيح
وأعماله، وهي ختم الظفر والانتصار بعد الآلام والموت؛ وبالتالي هي الكلمة
الحاسمة في إيماننا المسيحي، وهي تحثّنا أن نردّد مع بولس الرسول: "إن كان
المسيح لم يقم، فتبشيرنا باطل وإيمانكم أيضاً باطل" (1 قور 15/14).
-
ففي هذا اليوم، الأحد الجديد،
أحد "إيمان توما"، نحن مدعوون لكي نحلِّق مع "النسر" يوحنا في (20/26-31)
ونستعدّ من بعدها، لكي ننـزح الى العمق، لنفهم أكثر معنى سر القيامة في
حياتنا.
|
|
1- توما مصاب "بداء" الشك:
لقد ظهر الرب القائم للرسل
المجتمعين في العلّية وبدّد خوفهم ونفخ فيهم روحه المشدّد (20/19-23)، وكان
ذلك بغياب "التوأم" (توما)، هذا الأمر الذي حرمه أولاً رؤية الرب، وأعطى
ثانياً "لداء" الشّك فرصة لكي يتغلغل في أعماقه؛ فيطلب بالتالي ثلاثة
علامات ليؤمن بقيامة الرب المسيح: "إن لم أبصر..."، "إن لم أضع إصبعي..."
"إن لم أضع يدي..."، وكأنه كان الى عدم الإيمان أقرب منه الى الإيمان، إذ
كان بإمكانه القول: إن رأيت ولمست، آمنت؛ فقد استعمل أسلوباً سلبياً: "إن
لم أرَ ... ولم ألمس... لن أؤمن" (20/24-25).
-
"وبعد ثمانية أيام" لقيامة الرب يجتمع الرسل في
نفس المكان الذي اجتمعوا فيه الأحد الماضي، مع فارق أن خوفهم قد انتفى، لأن
تيقّنهم من قيامة سيّدهم انتزع من بين ضلوعهم قلوب الغزلان ووضع مكانها قلوب
الأسود.
-
فاليوم الثامن، هو "يوم الرب العظيم" (رؤيا
1/10)، "اليوم الذي صنعه الرب" (مز 117/24)، هو الذي يلي اليوم السابع الذي
استراح فيه الله بعد إتمامه الخلق (تك 2/1-2)، فهو يعني الخلق الجديد الذي بدأ
مع قيامة المسيح، فقد عاد يسوع في اليوم الثامن للقاء تلاميذه الذين ينتظرونه،
ليحوّل هذا اليوم من ثامن الى أول، وبالتالي ليفتح به أسبوعاً جديداً وعهداً
جديداً بحضوره الدائم في كنيسته، وهو القائل: "ها أنا معكم كل الأيام، الى
منتهى الدهور" (متى 28/20).
-
2- توما بين يدي طبيب
الأرواح.
-
لقد عالج طبيب الأرواح توما بوسيلتين:
-
أ- ظهور يسوع لتلاميذه وتوما
معهم:
-
قد دخل يسوع الى مكان اجتماع تلاميذه بشكل
عجائبي، لأنه بقيامته يتخطى كل الحواجز والعقبات، ويقف مع أحبائه، وما الوقوف
إلا دلالة على قيامته وانتصاره على الموت.
-
ويقول لهم يسوع: "السلام عليكم": هذا السلام الذي
يتخطى التحيّة العادية، ليصبح متجسّداً بشخص يسوع نفسه، إذ أنه هو السلام
الحقيقي ولا سلام إلا به ومنه، هو الذي يبدّد مخاوف الماضي وشكوك الحاضر، هو
سلام الغفران الذي يستر تقصير التلاميذ ومخاوفهم، إنه ترياق الماضي علاج الحاضر
وقوة المستقبل.
-
ب- المسيح يدعو توما الى أن
يختبره بنفسه اختباراً حسّياً:
-
إن يسوع المنتصر على الموت، لم يزل يحمل في جسده
سمات الجلجلة، فالآلام التي قاساها ليست ذكرى مشؤومة، حتى يمحو آثارها مجد
القيامة (رؤيا 5/6)، فآثار المسامير والحربة هي علامات حسّية تساعد على معرفة
المسيح القائم من الموت.
-
فيسوع مهتم بأمر تلميذه الحائر، ينظر إليه ويدعوه
ليضع يده في جنبه، فكأني به (أي يسوع) يخاطبه بأسلوبه ويقول: أنت تريد هذا،
تعال وافعل.
-
غير أن كلمات الرب لتوما، لم تكن مجرّد دعوة منه
ليفحصه فحصاً حسّياً، بل تحمل في طياتها تعنيفاً وملامة، كما يظهر من قوله له:
"ولا تكن غير مؤمن بل مؤمن".
-
هذا الأمر الذي أذاب جليد شكوك توما، فانتشله
الفادي من وهدة عدم الإيمان وكشف له حبّه بكشفه له عن جنبه المطعون.
-
3- توما يبرأ من الشك ويجاهر
بإيمانه:
-
لم يقتنع توما بقيامة يسوع فحسب، بل أيقن أن
المسيح القائم هو "الرب الإله"، ويقابل هاتين الكلمتين في العهد القديم، كلمتا
"يهوه ألوهيم"- "السيد الرب" (أش 16/1). فتوما لم يكتفِ بالقول أن المسيح ربّ
وإله، بل أدخل نفسه في نسبة جديدة معه: فقال موجهاً الكلام الى المسيح بالذات:
"ربي وإلهي": إنه فعل ندامة صادقة واعتراف جريء بعظمة الرب وقيامته، اعتراف
باللاهوت الكريستولوجي. ويسوع يقبل العبادة المقدّمة له من توما لأنه إله تام
يستحقّ كل إكرام وسجود.
-
وبهذا انتقل نوعاً من حالة الشك، الى درجة عالية
من الإيمان، وبالتالي بات لزاماً عليه أن ينقل البشارة الى الجميع.
-
*ويعطي يسوع بعد إيمان توما، رسالة أساسية
للمؤمنين به، ويقول: "طوبى للذين يؤمنون ولم يروا". فقد فاتت هذه "الطوبى"
توما، إذ إنه أصرّ أن يرى لكي يؤمن، دون أن يثق بما سمعه من إخوته الرسل.
فتوجّهت هذه "الطوبى" وأصبحت من نصيب الكنيسة المؤمنة في العصور الآتية، ومن
نصيب المؤمنين الذين لم يشاهدوا بعيونهم الوقائع الواردة، وبالتالي صارت وعداً
لكل المسيحيين، بحضور يسوع الدائم في وسطهم، "هو الألف والياء، الأول والآخر،
البداية والنهاية"، هو "عمانوئيل" الله معنا.
-
ويعلّم يسوع هنا أن الإيمان لا يُبنى فقط على
رؤيته بالعين المجرّدة، بل على شهادة من كتبوا الأناجيل المقدسة وعلى الكنيسة
التي تشهد في حياتها على قيامته.
-
في الختام، نرى أن حب الرب القائم، كان أكبر من
شك توما، فأين نحن من هذا الحب؟
-
هل نستحقّ تلك "الطوبى" التي أعلنها الرب؟
-
ولكي نستحقّها علينا أن نفعّل دور المسيح في
حياتنا، لا سيّما من خلال الأسرار المقدّسة التي هي استمرار حضوره في الكنيسة؛
وهكذا تصبح القيامة واقعاً يلامس قلوبنا كل يوم، أكثر منها، فكرة تدغدغ عقولنا.
-
فنعرف أن يسوع هو حاضر معنا، نلتقيه ويلتقينا في
كل يوم، نحتفل به ومعه في سرّ الحبّ الأعظم، في الافخارستيا، أي اللقاء اليومي
بيسوع المصلوب والممجد. وهذا ما يدفعنا لكي نفرح بقيامته ونكون له شاهدين
حقيقيين، عالمين في قرارة نفوسنا "أن المؤمن بالابن لا يهلك، بل ينال حياة
أبدية" (يو 3/15-19): عندها نستطيع أن نردّد سويّة، اليوم وفي كل يوم:
-
المسيح قام... حقاً قام.
-
"ونحن شهودٌ على ذلك".
|
|