2. حركة مار أبيمالك طيمثاوس مطران ملابار والهند: ولد
أبيمالك في قرية مار بيشو القريبة من بحر أورميا على الجانب التركي يوم 28
آب 1878 يوم إنتقال مريم العذراء أم سيدنا المسيح. كان والده إيشاي كاهناً
في الكنيسة الشرقية النسطورية، أما والدته فكانت تدعى مركانيثا. كان الطفل
أبيمالك يميل منذ نعومة أظافره إلى الصلاة والتأمل وينوي الانخراط في
الحياة الرهبانية. إلا أن القائمين على إرسالية كانتيربوري للآشوريين في
أورميا لم يسمحوا له الانصراف للحياة النسكية بل مهدوا له طريق الدخول إلى
الكهنوت وتسلم مسؤوليات جمّة في إدارة الكنيسة حيث كانت الحاجة أعظم والفائدة أعم.
عندما توفي البطريرك مار روئيل شمعون عام 1903، ورسم ابن أخيه بنيامين
بطريركاً كما بيّنا في الحلقة السابقة. دعا البطريرك الشاب
بنيامين زميله وصديق طفولته للانخراط في سلك الكهنوت لخدمة الكنيسة، لم
يستطع أبيمالك مقاومة إلحاح صديقه البطريرك. فتمت رسامته يوم 7 تموز 1903
إلى درجة الشماس الإنجيلي، وفي 21 أيلول من نفس السنة رفع إلى درجة الكاهن،
وفي أيار من العام التالي 1904 رفع إلى درجة أركيذياقون
وأصبح معاوناً للبطريرك. للفترة 1904 – 1907 نسبه البطريرك مدرساً في
مدرسة وان لإرسالية كانتربوري إلى الكنيسة الشرقية النسطورية، ووكيلاً
بطريركياً لكافة القرى المحيطة بمدينة وان وكذلك وكيلاً رسمياً للبطريرك
لدى الحكومة التركية. لقد استفاد الكاهن الشاب خلال هذه السنوات من العمل
مع الارسالية الانكليزية، وقام بكتابة العديد من الكتب الكنيسة الطقسية
واللاهوتية.
كانت كنيسة المشرق النسطورية في الهند قد ترملت عام 1900 بعد وفاة
المطرافوليط مار عوديشو ثوندينات في 16 تشرين الثاني من نفس السنة. استلم
البطريرك مار بنيامين شمعون سنة 1904 رسالة من الهند موقعة
من قبل خمسة كهنة وثلاثة من ممثلي الكنيسة وأربعون عضواً يطلبون فيها رسامة
ميطرافوليط لكنيسة الهند في قوذشانوس وإرساله إلى تريشور ويؤكدون أنهم
مستعدون لتحمل تكاليف سفر المطران مع مرافق له من حكاري إلى الهند. وكان كل
من مستر براون والدكتور ويكرام قد ساعدوا كثيراً لبلوغ هذا الهدف (إرسال
مطران للهند).
وقع الاختيار على الاركذياقون
الشاب أبيمالك ليشغل هذا المنصب الهام. وتمت رسامته إلى درجة الميطرافوليط
بتاريخ 15 كانون الأول 1907 في كنيسة مار شليطا في قوذشانوس من قبل
البطريرك مار بنيامين يعاونه مار يهبألاها أسقف برواري بالا، وبعد ثلاثة
أيام من رسامته بدأ هذا الشاب رحلته المتعبة والمليئة بالمخاطر من حكاري
إلى الهند ماراً بالموصل وبغداد ثم البصرة ليستقل باخرة إلى الهند، وفي
الموصل يقوم مار طيمثاوس أبيمالك بتغير هيئته ويتنكر في ملابس البدو العرب
لتجنب الوقوع في كمائن اللصوص وقطاعي الطرق الذين كانوا ينشطون في تلك
الفترة على الطريق البري بين الموصل والبصرة (انظر الصورة المرفقة).
كان مستر براون مسؤول إرسالية كانتربوري في قوذشانوس قد زار الهند والتقى
بمسيحيي تريشور ووعدهم بإرسال مطران لكنيستهم من قوذشانوس، لذلك قام مستر
براون بكتابة رسائل توصية لتسهيل سفر المطران مار أبيمالك طيمثاوس إلى كل
من الميجر رامزي في بغداد ومؤمني تريشور. لقد صادرت السلطات التركية جواز
سفر المطران في الموصل، لذلك سافر سراً إلى بغداد بمساعدة أحد وجهاء الموصل
السيد ألياس قصيرة الذي كان صديقاً حميماً لعائلة رسام في الموصل. سافر مار
طيمثاوس مع قافلة من العرب البدو ممتطياً حماراً إلى بغداد. لقد استغرق
سفره من قوذشانوس إلى تريشور/جنوب الهند سبعون يوماً لقي خلالها الكثير من
المتاعب والمخاطر وتحمل صعاب جمّة تفوق طاقة الإنسان لتحملها. يوم 5 شباط 1908 سافر على متن
الباخرة خليفة التابعة لشركة دجلة والفرات من بغداد إلى البصرة. وفي يوم 12
شباط 1908 غادر البصرة على متن الباخرة "ورقاء" متوجهاً إلى الهند أرسل من
على ظهر الباخرة تلغرافاً إلى مؤمني الهند يعلمهم بقدومه. يوم 17 شباط وصل
نيافته إلى بومباي وهناك التقى بالوفد المرسل من مسيحيي جنوب الهند
لاستقباله في بومباي. وفي يوم 27 شباط 1908 تم استقبال
غبطته في محطة قطار تريشور من قبل أبناء الكنيسة
الشرقية النسطورية في الهند بفرح عظيم وغبطة عارمة لا توصف عمت المدينة
كلها.
لكن مار طيمثاوس أبيمالك لقي خلال مسيرة عمله في الهند، صعوبات كثيرة
ومتاعب عديدة منها، في عام 1911 كان أحد القسان المدعو ميخائيل أوغسطين
يحمل لقب "مار" ويستخدم التاج والصولجان أثناء رتبة القربان المقدس منتحلاً
الدرجة الأسقفية زوراً، وبعد أن اكتشف المطران أمره منعه من استخدام لقب
الأسقفية لكن بعض المؤمنين "بني الأحرار" وقفوا مع ميخائيل أوغسطين ورفعوا
قضيته إلى المحاكم المدنية التي استمرت حتى بعد وفاة ميخائيل. بالإضافة إلى
مشكلة عدم إلمام المطران الجديد باللغة المحلية لمؤمني الكنيسة "لغة
مالايالم" وكانت هناك عادات غريبة عن الطقس الشرقي قد دخلت إلى الكنيسة عن
طريق المبشرين البرتغال الكاثوليك مثل تكريم الإيقونات وأمور لتننة الطقس
الشرقي، لقي المطران صعوبة التخلص منها بعد أن كانت قد تجذرت لسنين عديدة
بين أبناء الأبرشية. لكن بالرغم من هذه الصعوبات استطاع المطران مار
أبيمالك طيمثاوس أن يكمل بناية كنيسة العذراء مريم الكبيرة في تريشور والتي
اتخذها مقراً له، وهي مقر مطرانية لهند لحد الآن. كما قام بتأليف العديد من
كتب الصلوات الطقسية، وخطت يراعه بالقلم الاسطرنجيلي الجميل العديد من
الصلوات ما زال البعض منها مؤطراً ومعلقاً على جدران كنيسة العذراء مريم
مثل الصلاة الربانية وقانون الإيمان النيقاوي وصلاة مباركة بيوت المؤمنين،
شاهدها كاتب هذه السطور لدى زيارته للهند عام 2004. بالإضافة مشاكله مع
أبرشية الهند ظهرت مشاكل أخرى مع بداية الحرب الكونية العظمى وتشرد بنو
قومه وتركهم موطنهم الأصلي وهروبهم إلى أورميا ومقتل البطريرك مار بنيامين
ثم استقرارهم في مخيمات اللاجئين في بعقوبة كل هذه الأمور أثرت سلباً على
رسالته في الهند والتي لولاها لكانت قد أثمرت أضعاف ما قدمه لهذه الكنيسة
العريقة. في خضم هذه الأحداث المتسارعة قرر مار أبيمالك طيمثاوس السفر إلى
العراق للإطلاع على أمور الكنيسة والأمة عقب نهاية الحرب الكونية الأولى
وخروج الآشوريون منها مثخنين بالجراح فاقدين 2/3 عددهم السكاني وموطنهم
الأصلي. سافر في شباط 1919 إلى مخيم بعقوبة رافقه الشماس أغناطيوس، لقي في
هذه الزيارة البطريرك مار بولس شمعون العشرون الذي كان عليلاً، وكانت سورمة
خاتون تدير جميع أمور الأمة في المخيم وبمشورة الانكليز. كما لقي أخيه
الشماس زكريا الذي كان قد فقد جميع أفراد عائلته وأخيه داود. لم تكن هذه
الزيارة مثمرة وذلك لقصر الفترة التي قضاها حيث أقفل عائداً إلى الهند يوم
12 حزيران 1919. مصطحباً معه الشماس (القس فيما بعد) يوسف إيليا بيت قليتا
لغرض تهيئة الحروف السريانية وإنشاء مطبعة كنسية.
توفي البطريرك مار بولس شمعون يوم 27 نيسان 1920، وعلى وجه السرعة قام
المطران يوسف خنانيشو برسامة ابن أخته الطفل أيشاي بن داود البالغ من العمر
12 سنة بطريركاً خلفاً لعمه مار بولس شمعون. بدون استشارة أي من الأساقفة
أو زعماء العشائر أو وجهاء
الأمة، وعندما سمع المطران مار أبيمالك طيمثاوس غضب جداً وكتب رسالة شديدة
اللهجة إلى المطران خنانيشو (ننشر صورة من صفحاتها مع هذا المقال) يعاتبه
فيها لقيامه بهذا العمل المشين المنافي لكل القوانين الكنسية والكتابية
والطبيعية على حد قوله. ودون استشارة مار طيمثاوس الذي كان أقدم درجة منه
أو أحد الأساقفة الموجودون في المخيم مثل نيافة مار يهبألاها أو مار إيليا
أور مار سركيس [1].
سافر المطران طيمثاوس أبيمالك مرة أخرى وعلى وجه السرعة إلى العراق وما أن
وصل مخيم بعقوبة حتى التف حوله زعماء العشائر الآشورية ووجهاء الأمة مثل
مالك خوشابا وآغا بطرس وغيرهم منددين بما قام به المطران يوسف خنانيشو
ورافضين رسامة الطفل إيشاي إلى الدرجة البطريركية غير معترفين بهذه الرسامة
[2]. كما يوضح مار
طيمثاوس بأن كنيسة الهند لا تقبل هذه الرسامة ومن حقها أن تكون لها كلمتها
في هذه الأمور الحساسة التي تهم الكنيسة الجامعة قاطبة. لكن مار طيمثاوس
تحلى بالصبر والتأني لكي لا يضيف على جراح الأمة وآلامها، آلاماً أخرى.
ففاوض جماعة البطريرك والمطران خنانيشو وتم الاتفاق على أن يقوم المطران
طيمثاوس بعمل البطريرك وكالة إلى أن يبلغ إيشاي سن الرشد وأن يرسل الطفل
إيشاي إلى لندن للدراسة والتثقيف في الجامعات البريطانية وتهيئته لتحمل
المسؤولية مستقبلاً. وبعد اتفاق الآراء حرروا ووقعوا الاتفاق كما مبين في
الوثيقة التالية:-
إلى من يهمه الأمر، نحن الموقعين أدناه اجتمعنا في
شهر تشرين الثاني من سنة 1920 ميلادية مع نيافة مار أبيمالك طيمثاوس مطران
مالابار والهند وبعد التداول والتشاور في أمور تخص كنيستنا قررنا بالإجماع
أن يكون مار طيمثاوس وكيلاً بطريركياً للبطريرك مار إيشاي شمعون وينوب عنه
في جميع الأمور في ما يخص الكنيسة والأمة. وعليه وقعنا
[3].
توقيع
توقيع
توقيع
توقيع
مار إيليا
مار سركيس
مار يوسف خنانيشو
سورمة بيت مار شمعون
توقيع توقيع
داود بيت مار شمعون زيا بيت مار شمعون
بالرغم من توقيعهم لهذه الوثيقة إلا أن حزب خنانيشو – سورمة – إيشاي نكث
الإتفاق وأخذ بوضع العراقيل وإثارة المتاعب للمطران لمنع قيامه بالواجبات
وممارسة الحقوق التي تضمنها له هذه الوثيقة. حيث نرى أنه أثناء زيارته
الثانية والأخيرة للعراق 1927 – 1928 وعندما قام برسامة الشماس يوسف قليتا
إلى الدرجة الكهنوتية، عارضوا هذه الرسامة وأصدر البطريرك كتاباً بتاريخ 8
تشرين الأول 1927 يأمر بتوقيف القس يوسف قليتا ومنعه من ممارسة الكهنوت وظل
هذه الكاهن الفاضل والعالم الجليل موقوفاً عن الخدمة الكهنوتية طيلة حياته
[4]. وعندما أدركت
العائلة البطريركية بأن جميع الاكليروس والشعب يقف إلى جانب المطران،
حاولوا عزله وإبعاده عن الشعب وبتأثير منهم ومن أصدقائهم الانكليز أصدرت
وزارة الداخلية العراقية أمراً إلى مار طيمثاوس بضرورة مغادرة العراق
والعودة إلى أبرشيته في الهند أراد المطران رفع دعوته إلى عصبة الأمم
والطعن بقرار الحكومة العراقية، إلا أنه رأى أن الأمور تسير نحو الأسوأ وأن
حياته في خطر، فغادر العراق ولم يعد إليه إلى أن توفي في الهند يوم 30
نيسان 1945. وبوفاته طويت صفحة ناصعة أخرى من صفحات تاريخ كنيسة المشرق
وخسرت الأمة والكنيسة قائد آخر من قادتها العظام، مات مار أبيمالك طيمثاوس
في المنفى بعيداً عن شعبه وكنيسته التي أحبها وضحى من أجلها الغالي
والنفيس، بالرغم من أنه يقتل جسدياً مثل آل نمرود إلا أنه لقي نفس المصير
حيث أغتيل معنوياً.
_____________________________
[1]
النسخة الأصلية لهذه الرسالة محفوظة في أرشيف القلاية المطرافوليطية في
تريشور وقد نشر المثلث الرحمات مار توما درمو الترجمة الانكليزية كملحق
(أ) في كتابه "الكنيسة الشرقية والرسامة الوراثية" /مطبعة مار نرساي،
الهند 1963.
[2]
عكس ما يروجه اليوم بعض المفسدين من دعاية مفادها، أن المطران يوسف خنانيشو
رسم الطفل إيشاي إلى الدرجة البطريركية تحت تهديد العشائر الآشورية، لو كان
الأمر كذلك لما احتج هؤلاء على الرسامة لدى مار طيمثاوس ووقفوا معه لدى
عودته من الهند ولم يعترفوا بإيشاي كبطريركهم.
[3]
The Assyrian Church of the East in the Twentieth Century , By Dr. Mar
Aprem Page 119
.
[4] سيرة حياة مار أبيمالك طيمثاوس (باللغة الآشورية) مترجم من
الانكليزية للشماس كوركيس بيت بنيامين دآشيثا /طبع شيكاغو 1978. ص 150.
للإطلاع على الحلقة
السابقة إنقر هنا
1،
2