سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

اليوم التاسع والأربعون للصوم الكبير

قيامة


للإطلاع على الكلمات السابقة

7 6 5 4 3 2 1
14 13 12 11 10 9 8
21 20 19 18 17 16 15
28 27 26 25 24 23 22
35 34 33 32 31 30 29
42 41 40 39 38 37 36
49 48 47 46 45 44 43

   

 

مقدمة

إن فكرة القيامة في الكتاب لا تُشبه بحال الفكرة اليونانية، وهي عدم القابلية للموت. فبحسب المفهوم اليوناني، نفس الإنسان غير القابلة للفساد بطبيعتها، تدخل في الخلود الإلهي من الساعة الأولى التي فيها يجردها الموت من ارتباطات الجسد. وأما بحسب، المفهوم الكتابي، فالشخص البشري بجملته مقدَّر له، طبقا لحالته الحاضرة، بأن يرسف في الأغلال تحت سلطان الموت ": فالنفس تصير سجينه الجحيم، في حين يتحلّل الجسد" في القبر. إلا أن ذلك لن يكون إلا حالة عابرة، يُبعث الإنسان بعدها حياً بنعمة الله، كما نعود فننهض من الأرض حيث كنا نرقد، وكما نستيقظ من النوم الذي استرسلنا فيه إن فكرة القيامة، وقد حُدِّدت مذ العهد القديم، قد صارت مركز الإيمان والرجاء المسيحيين، بعد أن عاد المسيح نفسه إلى الحياة ثانية، بصفته "البكر بين الأموات.
العهد القديم

أولاً: سيّد الحياة
إن عبادات الشرق القديم الطبيعية كانت تعطي مكانة هامة لأسطورة الإله الذي مات وقام، وهو ترجمة أليمة لاختبار بشري عام " يتعلق بصحوة الحياة في الربيع بعد السبات البشري. وإن أوزيريس في مصر، وتموز ما بين النهرين، وبعل في كنعان (الذي صار في عهـد لاحق أدونيس)، كانوا آية من هذا النوع، وكانت المأساة التي حدثت في الأزمنة الأولى، سّتتكرّر إلى ما لا نهاية، مع دورات الطبيعة. فالطقوس إذ تجعلها حاضرة في صورة مقدسة، كانت في حدّ ظنهم تساهم في تجديد فاعليها الهامّة جداً بالنسبة للشعوب الرعوية والزراعية. إلا أن وحي العهد القديم، بقيم منذ البداية سداً منيعاً بينه وبين تلك الأسطورة وما يرافقها من طقوس. إن الله الواحد هو أيضاً السيد الواحد على الحياة والموت: "يميت ويُحيي، يكدر إلى الجحيم. ويُصعد منه " (1 صموئيل 2: 6، تثنية 32: 39)، لأن له قدرة على الجحيم ذاته (عاموس 9: 2، مزمور 139: 8). كذلك فإن تحديد الطبيعة في الربيع نتيجة لحمل كلمته وروحه (راجع تكوين 1: 11- 12 و 22 و 28، 8: 22، مزمور 104: 29-. 3). و بأولى حجة، قيامة البشر تكون هكذا: أو الذي يفتدي نفوسهم من الحفرة (مزمور 103: 4)، ويعيد إليهم الحياة (مزمور 41: 3، 80: 19)، لا يترك في الجحيم نفوس أوليائه، ولا يدعها ترى الفساد (مزمور 16: 10- 11). هذه العبارات يجب أن تُفهم من غير شك، على أنها عبارات عيها طابع المبالغة، بقصد الدلالة على حفظ مؤقت من الموت. وأما معجزات القيامة التي صنعها النبيَّان إيليا وإليشاع (1 ملوك 7 1: 7 1- 23، 2 ملوك 4: 33 35، 13: 12)، فتبيِّن أنَ الرب يستطيع أن يُحيي الأموات أنفسهم، بدعوتهم من الجحيم، حيث كانوا قد انحدروا. إن مثل هذا الرجوع إلى الحياة ليس له- كما هو واضح- أية علاقة بقيامة الآلهة الموتى الأسطورية، اللهم إلا إذا استثنينا هذا التمثيل القضائي الذي يعني بالرجوع إلى الحياة صعوداً من الهوَة الجهنمية إلى أرض الأحياء.
ثانياً: قيامة شعب الله
صورة القيامة هذه مستخدمة في مجموعة أولى من النصوص، للدلالة على رجاء شعب بني إسرائيل الجماعي. هذا الشعب، وهو مضروب بالعقابات " الإلهية، يشبه مريضاً يترصّده الموت (راجع إشعيا 1: 5- 6)، بل جنة قد صارت فريسة للموت. ولكنه، إذا ما اهتدى، أفلا يعيده الرب إلى الحياة؟ "هلموا نرجع إلى الرب!... يحيينا بعد يومين، وفي اليوم الثالث يقيمنا، فنحيا أمامه " (هوشع 6: 1- 3). ليس ذلك مجرّد أمنية من البشر، لأن مواعيد نبوية تشهد صراحةً بأنه سيكون الأمر كذلك. إن الله بعد محنة السبي، وسيقيم شعبه، كما تُعاد العظام اليابسة إلى الحياة (حزقيال 37: 1- 14). إنه سيوقظ أورشليم وسيقيمها من التراب حيث كانت ترقد كميت (إشعيا 51: 17، 60: 1). إنه سيجعل الأموات يحيون، وجثثهم تقوم، والذين يرقدون في التراب يستيقظون (إشعيا 26: 19) . قيامة مجازيّة على الأرجح، إلا أنها خلاص فوري حقيقي من سلطان الجحيم: "سأفتديهم من يد الجحيم، وأنجيهم، من الموت، وأكون هلاكك أيها الموت، وأكون استئصالك أيتها الجحيم " (هوشع 13: 14) 0 إن الله إذن ينتصر على الموت لصالح شعبه. إن الجزء الأمين من بني إسرائيل أيضاً سيرسف إلى حين تحت سلطة الجحيم، كما أن عبد الرب سيموت ويدفن مع الأشرار (إشعيا 53: 8- 9 و 12). إلا أنه سيأتي يوم سوف تتأكد فيه أيام هذه البقية الصالحة، هي والعبد، وتشاهد النور، وتشترك في غنائم النصر (إشعيا 53: 10 - 12) . إنه بيان أوّلي يكتنفه الغموض لوعد بقيامة، سوف يرى الأبرار المعذبون بفضله قيام "محاميهم "، الذي سيدافع عن قضيتهم (راجع أيوب 19: 25- 26 طبقاً للترجمة اللاتينية المعروفة بالفولجات).
ثالثاً: القيامة الفرديّة
يتقدّم الوحي خطوة أكبر عند أزمة المكابيين. إن اضطهاد أنطيوخوس واختبار الاستشهاد يطرحان مشكلة الجزاء الفردي بشكل حاد. إِذ من المسلمَات الأساسية أنه ينبغي انتظار ملكوت الله والنصر الآتي لشعب قديسي العلي، وقد تكلمت عنهما نبؤات الأنبياء (دانيال 7: 13- 14 و 27، راجع 2: 44). ولكن ما هو مصير القديسين الذين ماتوا في سبيل الإيمان؟ تجيب رؤيا دانيال النبي: " وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون بعضهم للحياة الأبدية، وبعضهم للعار، والرذل الأبدي " (دانيال 12: 2). وإذن فان صورة القيامة التيٍ يستخدمها حزقيال وإشعيا 26، يجب أن تفهم فهماً واقعيّاً: إن الله سيجعل الأموات يصعدون من الجحيم لكي يشتركوا في الملكوت. ومع ذلك فإن الحياة الجديدة التي سيدخلون فيها، لن تكون شبيهة بحياة العالم الحاضر: إنها ستكون حياة ذات طبيعة متجلية (دانيال 12: 3). ذلك هو الرجاء الذي يساند الشهداء في وسط محنتهم: قد تنتزع منهم الحياة الجسدية، إلا أن الله الذي يخلق، هو أيضاً الذي يقيم (2 مكابيين 7: 9 و11: 22، 14: 46): وأما بالنسبة إلى الأشرار، بالعكس، فلن تكون هناك قيامة للحياة (2 مكابيين 14:7). وابتداء من ذلك الزمن، يصبح تعليم القيامة خيراً مشتركاً لأتباع الديانة اليهودية. فإذا كانت بدعة الصدوقين، تمسكاً بأسلوب قديم، لا تعترف بذلك (راجع أعمال 23: 8)، بل وتستهزئ به، طارحةً حوله أسئلة مضحكة (متى 22: 23- 28//)، إلا أنه تعليم يعترف به الفرّيسيون، وتلك الطائفة التي أصدرت كتاب أخنُوخ (وقد تكون الإسينية القديمة على وجه الاحتمال). على أنه وإن فسرت بعض الطوائف اليهودية القيامة تفسيراً مادياً، إلا أن كناب أخنوخ يقدم لنا عرضاً فيه الكثير من الروحانية، عندما تقوم نفس الموتى من الجحيم، لتعود إلى الحياة، فإنها ستدخل في الكون الذي تغير، والذي يحفظه الله "للعالم الآتي. ذلك هو المفهوم الذي سيقدمه يسوع أيضاً:"في القيامة ستكونون كالملائكة في السماء"(متى 22: 30//).
العهد الجديد

أولاً: البكر بين الأموات

1. تمهيدات:
إن يسوع لا يؤمن فقط بقيامة الأبرار في اليوم الأخير، بل يعترف أيضاً بأن سر القيامة يجب أن يفتتحه هو، حيث أعطاه الله سلطاناً على الحياة والموت.. إنه يظهر هذه القدرة التي نالها من الآب، بإرجاعه إلى الحياة أمواتاً كثيرين، كان قد سُئِلَ من أجلهم: ابنة يائير (مرقس 5: 21- 42//)، ابن أرملة نائين (لوقا 7: 11- 17)، لعازر صديقه (يوحنا 11). إن معجزات القيامة هذه، إلى تذكر بالمعجزات النبوية، هي مسبقاً إعلان مستتر لقيامته، التي ستكون من تدبير آخر. إنه يضيف إليها نبؤات واضحة: إن ابن البشر يجب أن يموت ويقوم في ثالث يوم (مرقس 8: 31، 9: 31، 10: 34//)، إنها بحسب متى "علامة يونان ": إن ابن الإنسان سيبقى في جوف الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال (متى 12: 45). وهي أيضاً علامة الهيكل: " انقضوا هذا الهيكل، أقمه في ثلاثة أيام...، " ولكنه كان يعني هيكل جسده! يوحنا 2: 19- 21، راجع متى 26: 61//). إن هذا الإنباء عند قيامة الأموات يظل غير قابل للفهم بالنسبة إلى الإثني عشر أنفسهم (راجع مرقس 9: 10)، فكيف بالنسبة إلى أعداء يسوع، الذين سيتخذون منه ذريعة للقيام بحراسة قبره (متى 27: 63- 64).
2. الاختبار الفصحي:
وإذن لم يفهم الإثنا عشر أن التنبّؤ عن القيامة في الكتب المقدّسة كان يتعلّق بالدرجة الأولى بيسوع نفسه (يوحنا 20: 9)، ومن أجل ذلك فإن موته ودفنه جعلاهم ييأسون (راجع مرقس 16: 14، لوقا 24: 1 2- 24 و 37، يوحنا 5 2: 19). فلكي يعودوا ويؤمنوا، كان لا بدّ وأن يمروا باختبار الفصح، لأن اختبار القبر الذي وجدوه فارغاً لم يكتفِ لإقناعهم، إذ أن الأمر يمكن تفسيره باختطاف الجثة (لوقا 24: 11 - 12، يوحنا 20: 2)، فيوحنا وحده قد آمن فوراً (يوحنا 8:20). ولكن بعد ذلك تبدأ ظهورات الرب القائم من بين الأموات (فتتبدد كل الشكوك). وقائمة الظهورات التي جمعها بولس (1 كورنتس 15: 75)، لا تتفق تماماً مع القائمة التي جمعها الإنجيليون، إلا أنه لا أهمّية لضبط العدد. ن يسوع يتراءى " أياماً كثيرة " (أعمال 13: 31). وفي مكان آخر يحدِّد كتاب كتاب الأعمال عدد تلك الأيام "بأربعين يوماً " (1: 3)، وذلك لغاية مشهد الصعود البعيد المعبّر. وتبرز الروايات الطابع الواقعي لهذه الظهورات: إن هذا الذي يظهر هو حقيقةً يسوع الناصري والرسل يرونه ويلمسونه (لوقا 24: 36- 40، يوحنا 20: 19- 29)، ويأكلون معه (لوقا 24: 29- 30 و41- 42، يوحنا 21: 139، أعمال 10: 41). إنه هنا، ليس كخيال، بل بجسده الخاص (متى 28: 9، لوقا 24: 37- 39، يوحنا 20: 20 متى 27 -29). إلا أن هذا الجسد" لا يخضع للأوضاع العادية في الحياة الأرضيّة (يوحنا 20: 19، راجع 20: 17). أجل، يعيد يسوع الأعمال التي كان يقوم بها خلال حياته العامة، وهذا ما ساعد على التعرف عليه (لوقا 24: 3130، يوحنا21: 6 و 12)، إلا أنه الآن في حالة المجد. التي كانت تصفه بها كتب الرؤى اليهودية. أمّا الشعب فلا يشهد لهذه الظهورات، كما يشهد للآلام والموت. ويحتفظ يسوع بظهوراته للشهود الذين اختارهم هو بنفسه (أعمال 2: 32، 0 1: 1 4، 13: 31)، وكان آخرهم بولس على طريق دمشق (1 كورنتس 15: 8) إنه يختار من شهوده رسلاً له. فيظهر نفسه لهم، " ولا يظهر نفسه للعالم " (يوحنا 14: 22)، لأن العالم مغلق عن الإيمان. وحراس القبر أنفسهم، وقد روّعهم الظهور الإلهي السرّي (متى 28: 4)، لا يرون المسيح نفسه. ولذا فان حادث القيامة، واللحظة التي نهض فيها يسوع من الموت، لممّا يستحيل وصفه. لا يفعل متى سوى التذكير بتلك الأمور مستخدماً أسلوباً مصطلحاً عليه في الكتب المقدّسة (متى 21: 2- 3): زلزلة الأرض، نور مبهر، ظهور ملاك الرب... فندخل في مجال متسام عن ذلك العالم، لا يمكن التعبير عنه، بعبارات مستعارة من العهد القديم، وإن كانت الحقيقة المعبّر عنها بذلك تفوق في حد ذاتها كلّ وصف.
3. إنجيل القيامة في الكرازة الرسولية:
ابتداءً من العنصرة، تُصبح القيامة مركزاً للكرازة الرسوليّة، إذ فيها يظهر موضوع الإيمان المسيحي الأساسي (أعمال 2: 22- 35). وإن إنجيل الفصح هذا، هو قبل كل شيء، شهادة عن حادث: إن يسوع قد صلب ومات، إلا أن الله قد أقامه، وبه يقدم للناس الخلاص. هذا هو تعليم بطرس لليهود (3: 14- 15)، واعترافه أمام السنهدريم (4: 10)، وتعليم فيلبس للخصيّ الحبشي (8: 35)، وهو تعليم بولس ليهود (3 1: 33، 7 1: 3) وللوثنييّن (7 1: 3)، واعترافه أمام قضاته (23: 6...). إن إنجيل الفصح ما هو إلا مضمون الاختبار ذاته. وهناك نقطة هامة، تذكر دائماً بصدد هذا الاختبار، وهي مطابقته للكتب المقدّسة (راجع 1 كورنتس 15: 3- 4). فمن جهة، تحقّق قيامة يسوع الوعود النبوية: الوعد برفع المسيح ممجّداً إلى يمين الله (أعمال 2: 34، 13 :32- 33)، وبتمجيد عبد الرب (أعمال 4: 30، فيلبي 2: 97)، وبإجلاء ابن البشر (أعمال 7: 56، راجع متى 26: 64 //). ومن جهة أخرى فإن نصوص الكتاب المقدس، تعبيراً عن هذا السر الذي يتجاوز مستوى الإختبار التاريخي العادي، تقدّم مجموعة من عبارات تبيِّن أوجه السر المتنوّعة: فيسوع هو القدّوس الذي ينتشله الله من فساد الجحيم (أعمال 2: 5 2- 32، 3 1: 35- 37، راجع مزمور 16: 8- 11). إنه آدم الجديد الذي وضع الله تحت قدميه كل شيء (1 كورنتس 15: 27، عبرانيين 1: 5- 13، راجع مزمور 8)، وهو الحجر" الذي رذله البئاؤون فصار رأسا للزاوية (أعمال 4: 11، راجع مزمور 118: 22)... فالمسيح الممجد يبدو على هذا النحو كمفتاح لكل الكتاب المقدس، الذي كان مقدّماً يتعلق به (راجع لوقا 24: 27 و 44- 46).
4. معنى القيامة ومضمونها:
بقدر ما تحوي الكرازة الرسولية على هذا النحو من تقارب بين القيامة والكتب المقدّسة، يهي تفسيراً لاهوتياً للحادث. ولما كانت القيامة هي تمجيد للابن من قبل الآب (أعمال 2: 22 24، رومة 8: 11، راجع يوحنا 17: 31)، فإنها تضع ختم الله على عمل الفداء الذي افتتحه التجسّد وأكمله الصليب. فقد جعل يسوع "بقيامته ابن الله " في القوة" (رومة 1: 4، راجع أعمال 13: 33، عبرانيين 1: 5، 5: 5 مزمور 2: 7) "وسيداً ومسيحاً" (أعمال 2: 36)، "وقائداً ومخلَصاً" (أعمال 5: 31)، و" دياناً ورباً للأحياء والأموات " (أعمال 10: 42، رومة 14: 9 2 تيموتاوس 1:4). بعد صعوده إلى الآب (يوحنا 20: 17) " يستطيع الآن أن يعطي الناس الروح " وح " الذي وعد به (يوحنا 20: 22، أعمال 2: 33). وبذلك يظهر في ملئه المعنى العميق لحياته الأرضية: لقد كانت إظهاراً لله على الأرض، وإظهـار حبه ونعمته (2 تيموتاوس 1: 10، تيطس 2: 11، 3: 4). إنه ظهور محتجب، لم يكن فيه المجد ملموساً، إلا ببعض العلامات " (يوحنا 1: 11)، أو خلال ذات قصيرة، كما في لحظة القبل (لوقا 9:32 و 35//، راجع يوحنا 1: 14). والآن وقد دخل يسوع نهائياً في المجد، يستمر الظهور في الكنيسة بالمعجزات (أعمال 3: 16) وبهبة الروح للبشر الذين يؤمنون (أعمال 38:2 - 39، 10: 44 - 45). على هذا النحو، يسوع "بكر من قام من بين الأموات " (أعمال 26: 23، كولسي 1: 18، رؤيا 1: 5)، هو أول من دخل هذا العالم الجديد (راجع إشعيا 65: 17...)، ألا وهو الكون المشترى. وبما أنه "رب المجد" (1 كورنتس 2: 8، راجع يعقوب 2: 1، فيلبي 2: 11)، فهو بالنسبة إلى البشر صانع خلاصهم (أعمال 3: 6...). وبفضل قوّته الإلهية، يخلق لنفسه شعباً مقدساً (1 بطرس 2: 9-10) يجذبه في أثره.
ثانياً: قدرة القيامة
تقدّم قيمة يسوع حلاً لقضية الخلاص، كما تعرض لكلَ منا. فالقيامة، موضوع إيماننا الأول، هي أيضاً أساس رجائنا، الذي تحدّد غايته. لقد قام يسوع باعتباره " باكورة الراقدين " (1 كورنتس 15: 20)، هذا ما يساند انتظارنا القيامة في اليوم الأخير. أكثر من ذلك، إن يسوع هو شخصيّاً " القيامة: الحياة.من آمن به يحيا، وإن مات " (يوحنا 11: 25) وهو ما يزيد يقيننا ثباتاً بأننا نشترك منذ الآن في سر الحياة الجديدة والتي يجعل المسيح الوصول إلها ممكناً بالنسبة لنا، عن طريق علامات أسرار الكنيسة.
1. القيامة في اليوم الأخير:
إن إيمان اليهود بقيامة الأموات قد كفله يسوع، مع تطلعاته إلى استعادة الأصالة الكاملة وإلى التغيير الجذري (متى 22: 30 - 32 //) وإن كان ينقص هذا البيان في اللوحة التي تصورها رؤيا الأناجيل الإزائية عن اليوم الأخير" (متى 24//)، فهذا أمر عرضي. ومع ذلك فإن هذا الإيمان لا يثبت له معناه النهائي إلا بعد قامة يسوع الشخصيّة. وتدرك الجماعة المسيحيّة الأولى أنها لا تزال في هذا الشأن، أمينة على الإيمان اليهودي (أعمال 23: 6، 24: 15، 26: 6- 8)، إلا أن قيامة يسوع هي التي تعطبها من وقتها أساساً موضوعياً جديداً. فنحن سنقوم كلنا، لأن يسوع قد قام: "فالذي أقام يسوع من بين الأموات يحيي أيضا أجسادكم الفانية بروحه الحال فيكم " (رومة 8: 11، راجع 1 تسالونيكي 4: 14، 1 كورنتس 6: 14، 15: 12- 22، 2 كورنتس 4: 14). إن عرض قيامة يسوع، في إنجيل متى، يبرز من وقته هذه النقطة بشكل واقعي: قي اللحظة التي نزل فيها يسوع إلى الجحيم، ليصعد منه منتصراً"، يقوم الأبرار، الذين كانوا ينتظرون دخولهم الفرح السماوي، مهيئين له موكب نصر حافل (متى 27: 52-53). ومن الواضح أننا لم نعد بصدد رجوع إلى الحياة الأرضية، لأن الرب لا يذكر سوى ظهورات عجيبة. إلا أنه مقدمة رمزيّة لما سيتمّ في اليوم الأخير. أَوَليس هذا هو أيضاً معنى معجزات القيامة التي كان يصنعها يسوع خلال حياته الأرضيّة ؟ إن القديس بولس يضيف إلى مشهد القيامة العامة مزيداً من التفاصيل: صوت رئيس الملائكة، بوق لجمع المختارين، غمام " عودة المسيح، موكب المختارين 000 (1 تسالونيكي 4: 15- 17، 2 تسالونيكي 1: 7- 8، 1 كورنتس 15: 52). إن هذا الإطار المصطلح عليه، إطار نموذجي ثابت في الرؤى اليهودية، إلا أن الحدث الأساسي في ذاته هو أهم من تفاصيل أوصافه. وعلى عكس المفاهيم اليونانية، حيث النفس البشرية التي تخلصت من رباطات الجسد تذهب وحدها نحو الخلود، يتضمن الرجاء المسيحي تجديداً كاملاً للشخص، ويفرض في الوقت نفسه تغييراً كليّاً للجسد، الذي صار روحانياً، وغير قابل للفساد، خالداً (1 كورنتس 15: 35-53). وفي الإطار الذي يختاره بولس، لا يعرض على أي حال لقضية قيامة الأشرار. إنه لا يفكر إلا في قيامة الأبرار، من حيث إنها اشتراك في دخول يسوع إلى المجد (راجع كورنتس 15: 11...). ن انتظار " افتداء أجسادنا " هذا (رومة 8: 23)، هو من الثبوت بحيث إن ث إن الأسلوب المسيحي في تعبيره عنه يعطي القيامة نوعاً من قرب الوقوع الدائم (راجع ا تسالونيكي 4: 17). ومع ذلك فإن نفاد صبر الرجاء المسيحي (راجع 2 كورنتس 5: 1- 10)، لا ينبغي أن يقود إلى تصورات ذهنيّة باطلة، بخصوص زمن يوم الرب. رسم كتاب الرؤيا عن قيامة الأموات لوحة جذَّابة (رؤيا 20: 11 11-15). فالموت والجحيم يلفظانهم جميعاً، لكي يظهروا أمام الديان، الأشرار منهم كالأخيار. وفي حين يبتلع " الموتُ الثاني الأشرار، يدخل الأخيار إلى حياة جديدة، في حضن عالم قد تغير، يماثل الفردوس الأوّل وأورشليم السماوية (رؤيا 21، 22). فكيف يمكن التعبير بطريقة أخرى غير الرموز عن صفة لا تُوصف ولا يمكن أن يدركها الإختبار البشري ورسم هذه اللوحة لا يتكرر في الإنجيل الرابع. إلا أنه يرد، بمثابة الخلفيّة، في إشارتين قصيرتين تُظهران خاصة المهمة الراجعة إلى ابن الإنسان: إنه عند ندائه، سيقومون (يوحنا 5: 28، 6: 40 و 44)، البعض للحياة الأبدية، والبعض الآخر للهلاك الأبدي (يوحنا 5: 29).
2. الحياة المسيحية قيامة مسبقة:
على أن يوحنا، إنما يعرض بإيجاز القيامة الأخيرة، لأنه يراها وقد تحقّقت مسبقاً منذ الزمن الحاضر. فلعازر الخارج من القبر يرمز ايجابياً إلى المؤمنين الذين ينتزعهم صوت يسوع من براثن الموت (راجع يوحنا 11: 25- 26). لذلك فالخطاب عن عمل الإحياء الذي يقوم به ابن الإنسان، يتضمن تأكيدات صريحة: "ستأتي ساعة، بل أتت الآن، يسمع فيما الأموات صوت ابن الله، والذين يسمعونه يحيون " (يوحنا 5: 25) . إن هذا التصريح الواضح يلتق مع الإختبار المسبق كما تعبر عنه رسالة يوحنا الأولى: "نحن نعلم أننا انتقلنا من الموت إلى الحياة... " (1 يوحنا 3: 14) 0 إن كل من يملك هذه الحياة لن يسقط أبداً تحت سلطان الموت (يوحنا 6: 50، 11: 26، راجع رومة 5: 8- 9). إن يقيناً كهذا لا يبطل بلا شك انتظار القيامة الأخيرة، إلا أنه يحول منذ الآن صورة الحياة التي دخلت في فلك عمل المسيح. ولم يكفّ القديس بولس عن قول الشيء نفسه، موضحا الطابع الفصحي في الحياة المسيحية، متميّزاً بالاشتراك الحقيقي في حياة المسيح القائم من بين الأموات. ولما كنا قد ذُفِتا معه ساعة العمادِّ، فقد قمنا أيضاً معه لأننا آمنا بقدرة الله الذي أقامه من الأموات (كولسي 2: 12، رومة 6: 4 - 6) . وإذن فإن الحياة الجديدة التي دخلنا فيها ليست شيئاً آخر سوى حياته ذاتها كشخص قام من بين الأموات (أفسس2: 5-6)، حيث قيل لنا في تلك اللحظة: "تنبًه أيها النائم، وقم من بين الأموات يضئ لك المسيح " (أفسس 14:5). إن هذا اليقين الأساسي يوجِّه كل كياننا المسيحي، ويسود مبادئ الأخلاق التي من الآن وصاعداً يأتمر بها الإنسان الجديد، المولود في المسيح: "فأما وقد قمتم مع المسيح، فاسعوا إلى الأمور التي في العلى،. حيث المسيح قد جلس عن يمين الله " (كولسي 3: 1- 3). هذا اليقين هو أيضاً ينبوع رجاء الإنسان الجديد. فإذا كان المسيحي ينتظر بفارغ الصبر التحول الأخير لجسده، الذي هو جسد فساد، إلى جسد ممجد (رومة 8: ا 22- 23، فيلبي 3: 10- 11 و 0 2- 1 2)، فذلك لأنه يملك مقدماً عربون تلك الحالة المستقبلية (رومة 8: 23، 2 كورنتس 5: 5). إن قيامة المسيحي الأخيرة قد تكون في العلن سوى ما هي عليه الآن من حقيقة سرّها الخفي (كولسي 3: 4).

 
 

Copyright©  www.karozota.com

 
  
 

English